وقفًا بقول مالكه لا أطلب ثمنه إلا إلى الله، لكن أجاب ابن المنير بأن مراد البخاري أن الواقف يصح بأي لفظ دلّ عليه إما بمجرده أو بقرينة اهـ.
وألفاظ الواقف صريحة كوقفت كذا وحبست وسبلت أو أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة، وكناية كحرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها، أو داري محرمة أو مؤيدة، ولو قال تصدقت به على المساكين ونوى الوقف فوجهان: أصحهما أن النية تلتحق باللفظ ويصير وقفًا وإن أضاف إلى معين فقال تصدقت عليك، أو قاله لجماعة معينين لم يكن وقفًا على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح فيه وهو التمليك المحض، ولو قال: جعلت هذا المكان مسجدًا صار مسجدًا على الأصح لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه.
(باب) بيان سبب نزول (قول الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}) أي شهادة اثنين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو التقدير فيما أمرتم شهادة بينكم والمراد بالشهادة الإشهاد وأضافها إلى الظرف على الاتساع ({إذا حضر أحدكم الموت}) أحدكم نصب على المفعولية وإذا حضر ظرف للشهادة وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الاجل ({حين الوصية}) بدل من إذا حضر قال في الكشاف: وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها وخبر المبتدأ الذي هو شهادة بينكم
قوله ({اثنان}) وجوّز الزمخشري أن يكون اثنان فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان ({ذوا عدل}) أي أمانة وعقل ({منكم}) من المسلمين أو من أقاربكم ({أو آخران من غيركم}) من غير المسلمين يعني أهل الكتاب عند فقد المسلمين أو من غير أقاربكم ({إن أنتم ضربتم في الأرض}) أي سافرتم فيها ({فأصابتكم مصيبة الموت}) أي قاربتموها وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميّين عند فقد المسلمين أن يكون ذلك في سفر وأن يكون في وصية، وهذا مروي عن الإمام أحمد وهو من أفراده وخالفه الأئمة الثلاثة في ذلك وإن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:{ممن ترضون من الشهداء}[البقرة: ٢٨٢] وقد أجمعوا على ردّ شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق نعم جوّز أبو حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض ({تحبسونهما}) تمسكونهما لليمين ليحلفًا ({من بعد الصلاة}) صلاة العصر أو صلاة أهل دينهما ({فيقسمان}) فيحلفان ({بالله إن ارتبتم}) أي ظهرت لكم ريبة من اللذين ليسا من أهل ملّتكم إنهما خانا فيحلفان حينئذٍ بالله ({لا نشتري به}) بالقسم ({ثمنًا}) لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة ({ولو كان}) المشهود عليه ({ذا قربى}) أي قريبًا إلينا وجوابه محذوف أي لا نشتري ({ولا نكتم شهادة الله}) أي الشهادة التي أمر الله بإقامتها ({إنّا إذًا لمن الآثمين}) إن كتمناها ({فإن عُثر}) فإن اطلع ({على أنهما}) أي الشاهدين ({استحقا إثمًا}) أي استوجباه بالخيانة والحنث في اليمين ({فآخران}) فشاهدان آخران من قرابة الميت ({يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم}) الإثم أي فيهم ولأجلهم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الإثم فعلى بمعنى في كقوله على ملك سليمان أي في ملك سليمان ({الأوليان}) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هما الأوليان كأنه قيل: ومن هما؟ فقيل: هما الأوليان. وقيل بدل من الضمير في يقومان أو من آخران أي الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما من الأجانب ({فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما}) أي أصدق منهما وأولى بأن تقبل ({وما اعتدينا}) فيما قلنا فيهما من الخيانة ({إنّا إذًا لمن الظالمين})[المائدة: ١٠٦، ١٠٧] إن كنا قد كذبنا عليهما.
ومعنى الآيتين كما قاله، القاضي: أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته أو يوصي إليهما احتياطًا فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخران من غيرهم، ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت فإن اطّلع على أنهما كذبا بأمارة ومظنة حلف آخران من أولياء الميت، والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإنه لا يحلف