أو لأبي ذر: يعني بشدقيه بزيادة موحدة قبل الشين (ثم يقول): الشجاع له (أنا مالك، أنا كنزك) يخاطبه بذلك ليزداد غصة وتهكمًا عليه (ثم تلا) عليه الصلاة والسلام: ({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ})[آل عمران: ١٨٠] بالغيب في يحسبن أسنده إلى الذين وقدر مفعولاً دل عليه يبخلون أي: لا يحسبن الباخلون بخلهم خيرًا لهم، وحذف واو ولا وهي ثابتة في القرآن. ولأبي ذر: ولا تحسبن بإثباتها وتحسبن بالخطاب وهي قراءة حمزة والمطوعي عن الأعمش أسنده إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقدر مضافًا أي لا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون هو خيرًا لهم فبخل وخيرًا مفعولاه.
وفي رواية الترمذي قرأ مصداقه سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وفيه دلالة على أن المراد بالتطويق حقيقته خلافًا لمن قال إن معناه سيطوّقون الإثم. وفي تلاوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآية عقب ذلك دلالة على أنها نزلت في مانعي الزكاة وعليه أكثر المفسرين. وهذا الحديث جعله أبو العباس الطرقي والذي قبله حديثًا واحدًا. ورواه مالك في موطئه عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح لكن بوقفه على أبي هريرة، وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال ابن عبد البر: وهو عندي خطأ بيّن في الإسناد لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة أصلاً. ورواية مالك وعبد الرحمن بن عبد الله هي الصحيحة وهو مرفوع صحيح.
وقد أخرج حديث الباب المؤلّف أيضًا في التفسير، والنسائي في الزكاة.
هذا (باب) بالتنوين (ما أدّي زكاته فليس بكنز) هذا لفظ حديث رواه مالك عن ابن عمر موقوفًا وأبو داود مرفوعًا لكن بمعناه (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
(ليس فيما دون خمسة) بزيادة التاء وللأصيلي وأبي ذر خمس (أواق) بغير ياء كقاض وجوار، ولأبي ذر: أواقي بإثباتها كأثفية وأثافي ويجوز تخفيف الياء وتشديدها (صدقة) فليس بكنز لأنه لا صدقة فيه فإذا زاد شيء عليها ولم تؤد زكاته فهو كنز.
(وقال أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح الشين المعجمة وبموحدتين بينهما تحتية ساكنة. وسعيد بكسر العين الحبطي بالحاء المهملة والموحدة المفتوحتين وبالطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم البصري من مشايخ المؤلّف وثقه أبو حاتم الرازي وكتب عنه ابن المديني. وقال أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث غير مرضي لكن لا عبرة بقول الأزدي لأنه ضعيف فكيف يعتمد في تضعيف الثقات؟ وتعليقه هذا وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ عن محمد بن محمد بن يحيى الذهلي عن أحمد بن شبيب، ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني: حدّثنا أحمد بن شبيب بن سعيد قال: (حدّثنا أبي) شبيب (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن خالد بن أسلم) هو أخو زيد بن أسلم (قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما فقال) له (أعرابي أخبرني قول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني: عن قول الله ({والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله})[التوبة: ٣٤](قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها) بإفراد الضمير والسابق اثنان كينفقولها على تأويل الأموال، أو يرجع الضمير إلى الفضة لأنها أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذهب، أو اكتفى ببيان حكمها عن حكم الذهب (فويل له) أي حزن وهلاك ومشقة وارتفاع ويل على الابتداء (إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة) قال ابن بطال يريد بما قبل نزول الزكاة قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}[البقرة: ٢١٩] أي ما فضل عن الكفاية فكانت الصدقة فرضًا بما فضل عن كفايته (فلما أنزلت) أي الزكاة بعد الهجرة في السنة الثانية قبل فرض رمضان كما أشار إليه النووي في باب:
السير من الروضة. وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة وفيه نظر يطول استقصاؤه. نعم، بعث العمال لأجل أخذ الصدقات كان في التاسعة وهو يستدعي سبق فرضية الزكاة (جعلها الله طهرًا) أي مطهرة (للأموال) وطهرًا لمخرجيها عن رذائل الأخلاق ونسخ حكم الكنز، لكن قال البرماوي: وإذا حمل لا ينفقونها على لا يؤدّون زكاتها