وجهي) فلم ألتفت يمينًا ولا شمالاً (حتى أركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء فجعلت أرميهم بنبلي) بفتح النون (وكنت راميًا وأقول: أنا ابن الأكوع ... اليوم) ولأبي ذر وابن عساكر: واليوم (يوم الرضع) أي يوم هلاك اللئام (وأرتجز) بذلك أو بغيره (حتى استنقذت اللقاح) كلها (منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة. قال: وجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) وكان قد خرج عليه السلام إليهم غداة الأربعاء في خمسمائة أو سبعمائة (ففلت) له: (يا نبي الله قد حميت القوم الماء) بفتح ميم حميت أي منعتهم من شربه (وهم عطاش فابعث إليهم الساعة) وعند ابن سعد فلو بعثني في مائة رجل استنقذت ما بأيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم (فاسجح) بهمزة قطع مفتوحة وسكون السين
المهملة وبعد الجيم المكسورة حاء مهملة أي فارفق ولا تأخذ بالشدة (قال: ثم رجعنا) إلى المدينة (ويردفني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقته) العضباء (حتى دخلنا المدينة) زاد هنا أبوا ذر والوقت وابن عساكر قال شعبة إلى قوله باب قصة عكل المذكور قبل آخر الباب.
٣٨ - باب غَزْوَةُ خَيْبَرَ
(باب غزوة خيبر) وهي مدينة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وسقط لفظ باب لأبي ذر.
٤١٩٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ وَهْيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَاّ بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرًا ويسار بالتحتية والمهملة المخففة (أن سويد بن النعمان أخبره أنه خرج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام خيبر) سنة سبع (حتى إذا كنا بالصهباء) بالصاد المهملة والمد (وهي من أدنى) أي من أسفل (خيبر صلّى العصر ثم دعا بالأزواد) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر (فلم يؤت إلا بالسويق فأمر) عليه الصلاة والسلام (به فثري) بضم المثلثة وتشديد الراء وتخفف أي بلّ بالماء لما حصل له من اليبس (فأكل) عليه الصلاة والسلام (وأكلنا) منه وزاد في الجهاد وشربنا (ثم قام الى) صلاة (المغرب فمضمض) قبل أن يدخل في الصلاة (ومضمضنا) كذلك (ثم صلّى ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق.
وهذا الحديث سبق في الوضوء ويأتي إن شاء الله تعالى في الطعام.
٤١٩٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ» قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ»؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ»؟ قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ: «أَوْ ذَاكَ» فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ: «مَا لَكَ»؟ قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ». حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ: نَشَأَ بِهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) المدني الحارثي مولاهم (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر فسرنا ليلاً فقال رجل من القوم): هو أسيد بن حضير (لعامر) عم سلمة بن الأكوع (يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك) بهاءين أولاهما مضمومة بعدها نون مفتوحة فتحتية ساكنة مصغر هنة، ولأبي ذر عن الكشميهني: هنياتك بهاء واحدة مضمومة وتشديد التحتية أي من أراجيزك. وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: "أنزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك" ففيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي أمره بذلك (وكان عامر رجلاً شاعرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني حدّاء (فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا)
قال في الفتح: في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله، وأكثر هذا الرجز قد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة.
(فاغفر فداء لك) بكسر الفاء والمد والمخاطب بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي اغفر لنا تقصيرنا في حقك ونصرك إذ لا يتصور أن يقال: مثل هذا الكلام للباري تعالى، وقوله: اللهم لم يقصد