الحديث) أي روايته، وفي كتاب العلم قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة وسقط قوله هنا الحديث عند أبي ذر (والله الموعد) بفتح الميم وكسر العين المهملة بينهما واو ساكنة وهو مصدر ميمي أو ظرف زمان أو مكان وعلى كل تقدير لا يصح أن يخبر به عن الله تعالى فلا بد من إضمار وتقديره في كونه مصدرًا والله الواعد وإطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة يعني الواعد في فعله للخير والشر، والوعد يستعمل في الخير والشر يقال: وعدته خيرًا ووعدته شرًّا فإذا أسقط الخير والشر يقال في الخير الوعد والعدة وفي الشر الإيعاد والوعيد وتقديره في كونه ظرف زمان وعند الله الموعد يوم القيامة وتقديره في كونه ظرف مكان وعند الله الموعد في الحشر والمعنى على كل تقدير فالله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبًا ويحاسب من ظن بي السوء، (ويقولون) أي الناس (ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه) أي أبي هريرة (وإن إخوتي من المهاجرين) كلمة من بيانية (كان يشغلهم) بفتح الغين المعجمة (الصفق بالأسواق) كناية عن التبايع (وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم) في الزراعة والغراسة وهذا موضع الترجمة (وكنت امرأً مسكينًا) أي من مساكين الصفة (ألزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ملء بطني) بكسر الميم (فأحضر) مجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حين يغيبون) أي الأنصار والمهاجرون (وأعي) أي أحفظ (حين ينسون وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا) من الأيام:
(لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه) بالنصب عطفًا على قوله لن يبسط أي يجمع الثوب (إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا) والمعنى أن البسط المذكور والنسيان لا يجتمعان لأن البسط الذي بعده الجمع المتعقب للنسيان منفي فعند وجود البسط ينعدم النسيان وبالعكس (فبسطت نمرة) بفتح النون وكسر الميم بردة من صوف يلبسها الأعراب والمراد
بسط بعضها لئلا يلزم كشف عورته (ليس عليّ ثوب غيرها) أي غير النمرة (حتى قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته ثم جمعتها إلى صدري فو) الله (الذي بعثه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الثقلين (بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا) ولمسلم من رواية يونس فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدّثني به وهو يدل على العموم لأن تنكير شيئًا بعد النفي يدل على العموم لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه فدلّ على العموم في عدم النسيان لكل شيء من الحديث وغيره لا أنه خاص بتلك المقالة كما يعطيه ظاهر قوله من مقالته تلك، ويعضد العموم ما في حديث أبي هريرة أنه شكا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ينسى ففعل ما فعل ليزول عنه النسيان ويحتمل أن يكون وقعت له قضيتان فالقضية التي رواها الزهري مختصّة بتلك المقالة والأخرى عامّة.
(والله لولا آيتان) موجودتان (في) وفي نسخة: من (كتاب الله ما حدّثتكم) فيه حذف اللام من جواب لولا وهو جائز والأصل لما حدثتكم شيئًا أبدًا {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات}[البقرة: ١٥٩](إلى قوله: {الرحيم})[البقرة: ١٦٠] ولأبي ذر {من البينات والهدى} إلى {الرحيم} وفي هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعد ما بيّنه الله تعالى لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد مضى هذا الحديث في باب حفظ العلم في كتاب العلم أخصر من هذا والله الموفق والمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
[٤٢ - كتاب [الشرب و] المساقاة]
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(كتاب [الشرب و] المساقاة) هي مأخوذة من السقي المحتاج إليه فيها غالبًا لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤونة وحقيقتها أن يعامل غيره على نخل أو شجر عنب ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة لهما والمعنى فيها أن مالك الأشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرّغ له ومن يحسن ويتفرّغ قد لا يملك الأشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو اكترى المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شيء من الثمار ويتهاون العامل فيها فدعت الحاجة إلى تجويزها.