عن ابن عباس: أنه أناخ فصلّى ركعتين فلعل شربه من ماء زمزم كان بعد ذلك، ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائمًا لنهيه عنه، لكن ثبت عن علي عند البخاري أنه ﷺ شرب قائمًا فيحمل على بيان الجواز قاله في فتح الباري.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشربة وكذا الترمذي.
٧٧ - باب طَوَافِ الْقَارِنِ
(باب طواف القارن) هل يكفيه طواف واحد أو لا بد من طوافين؟ خلاف يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
١٦٣٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا. فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ ﷺ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ. فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى. وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة ﵂) قالت: (خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع) سنة عشر وسميت بذلك لأنه ﵊ ودّع الناس فيها ولم يحج بعد الهجرة غيرها، (فأهللنا) أحرمنا (بعمرة ثم قال:) ﵊:
(من كان معه هدي فليهلّ بالحج والعمرة ثم لا يحل) بالنصب، ولغير أبي ذر: لا يحل بالرفع (حتى يحل منهما). أي من الحج والعمرة لأن القارن يعمل عملاً واحدًا كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. قالت عائشة: (فقدمت مكة وأنا حائض فلما قضينا حجنا) أي بعد أن طهرت وطفت (أرسلني مع) أخي (عبد الرحمن إلى التنعيم) أدنى الحل إلى الحرم، وإنما أرسلها إلى التنعيم لأن العمرة كالحج لا بد أن يجمع فيها بين الحل والحرم (فاعتمرت، فقال ﷺ "هذه" العمرة (مكان عمرتك). بنصب مكان على الظرفية أي بدل عمرتك التي أردت أن تأتي بها مفردة لا أنها قضاء عن التي كانت أحرمت بها، (فطاف الذين أهلوا بالعمرة) وحدها متمتعين وسعوا (ثم حلوا) لم يفرق بين من معه الهدي ومن ليس معه. وقال أبو حنيفة: من كان معه الهدي لا يحل من عمرته ويبقى على إحرامه حتى يحج وينحر هديه يوم النحر، (ثم طافوا طوافًا آخر) للحج (بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة) وهم الذين كان معهم الهدي (طافوا طوافًا واحدًا) بغير فاء في طافوا الذي هو جواب أما، لكن صرح النحاة بلزوم إثباتها فيه نحو قوله تعالى: ﴿فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم﴾ [البقرة: ٢٦] إلا في ضرورة الشعر كقوله:
فأما القتال لا قتال لديكم … ولكن سيرًا في عراض المواكب
وأما حذفها في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٦] فالأصل فيقال لهم: أكفرتم فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف، ورب شيء يصح تبعًا ولا يصح استقلالاً كالحاج عن غيره يصلّي عنه ركعتي الطواف، ولو صلّى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصحيح قاله ابن هشام. وتلخص منه أن الفاء لا تحذف في غير الضرورة إلا مع القول، وعورض بأنه ثبت في الصحيح أنه ﵊ قال: أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطًا.
وأجيب: بأنه يجوز أن يكون هذا الحديث مما حذف فيه الفاء تبعًا للقول والتقدير، فأقول: ما بال رجال؟ فالأولى النقص بما وقع هنا في حديث عائشة. وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا وبقوله ﵊: أما موسى كأني أنظر إليه إذ ينحدر في الوادي، ولذا قال ابن مالك في التسهيل: ولا بدّ مع أما من ذكر الفاء إلا في ضرورة أو ندور، وللكشميهني: فإنما طافوا فأتي بالفاء قبل إنما في جواب أما، وفي هذا الحديث دليل على أن القارن يجزيه طواف واحد وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وكذا يجزيه سعي واحد. وقال أبو حنيفة في آخرين عليه طوافان
وسعيان، واستدلّ لذلك في فتح القدير بما رواه النسائي في سننه الكبرى عن حماد بن عبد الرحمن الأنصاري عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال: طفت مع أبي وقد جمع الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى سعيين. وحدثني أن عليًّا ﵁ فعل ذلك وحدثه أن رسول الله ﷺ فعل ذلك. قال العلامة ابن الهمام: وحماد هذا وإن ضعفه الأزدي فقد ذكره ابن حبان في الثقات فلا ينزل حديثه عن درجة الحسن مع أنه روى عن علي بطرق كثيرة مضعفة ترتقي إلى الحسن، غير أنا تركناها واقتصرنا على ما هو الحجة بنفسه