للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الآية (﴿فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات﴾)، سيئاتهم مفعول ثان للتبديل وهو المقيد بحرف الجر وحذف لفهم المعنى وحسنات هو الأول وهو المأخوذ والمجرور بالباء هو المتروك وقد صرح بهذا في قوله تعالي: ﴿وبدلناهم بجنتيهم جنتين﴾ [سبأ: ١٦]. وإبدال السيئات حسنات أنه يمحوها بالتوبة ويثبت مكانها الحسنات. وقال محيي السنّة: ذهب جماعة إلى أن هذا في الدنيا قال ابن عباس وغيره يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانًا وبقتل المؤمنين قتل المشركين وبالزنا عفة وإحصانًا. وقال ابن المسيب وغيره: يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة.

وقال ابن كثير: تنقلب السيئات الماضية بنفس التوبة النصوح حسنات لأنه كلما يذكرها ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة فيوم القيامة وإن وجدها مكتوبة عليه لكنها لا تضره بل تنقلب حسنة في صحيفته كما يدل له حديث أبي ذر المروي في مسلم قال رسول الله : إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار وآخر أهل الجنة دخولًا إلى الجنة فيقول: اعرضوا عليه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها قال فيقال له عملت يوم كذا كذا وكذا وعملت يوم كذا كذا وكذا فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئًا فيقال فإن لك بكل سيئة حسنة فيقول: يا رب عملت أشياء لا أراها ها هنا، قال: فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه. وقال الزجاج: السيئة بعينها لا تصير حسنة فالتأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة.

(﴿وكان الله غفورًا﴾) حيث حط عنهم بالتوبة والإيمان مضاعفة العذاب والخلود في النار والإهانة (﴿رحيمًا﴾) [الفرقان: ٧٠] حيث بدل سيئاتهم بالثواب الدائم والكرامة في الجنة وسقط قوله فأولئك الخ لأبي ذر.

٤٧٦٦ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وَعَنْ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ.

وبه قال: (حدّثنا عبدان) بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي قال: (أخبرنا أبي) عثمان (عن شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة والزاي بينهما موحدة مقصورًا (أن أسأل ابن عباس) (عن هاتين الآيتين) قوله تعالى: (﴿ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا﴾) الآية بالنساء (فسألته) عن

حكمها (فقال: لم ينسخها شيء، وعن) قوله تعالى: (﴿والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر﴾) إلى (﴿رحيمًا﴾) بالفرقان (قال: نزلت في أهل الشرك).

وفي باب ما لقي النبي وأصحابه من المشركين بمكة من المبعث من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور فسألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في الفرقان قال مشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلهًا آخر وقد أتينا الفواحش، فأنزل الله: ﴿إلا من تاب وآمن﴾ فهذه لأولئك وأما التي في النساء الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم فذكرته لمجاهد فقال: إلا من ندم.

قال في الفتح: وحاصل ما في هذه الروايات أن ابن عباس كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما وتارة يجعل محلهما مختلفًا ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خص منه مباشرة المؤمن القتل متعمدًا وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه والمشهور عنه القول بأن المؤمن إذا قتل مؤمنًا متعمدًا لا توبة له وحمله الجمهور منه على التغليظ وصححوا توبة القاتل كغيره.

وسبق في النساء من مباحث ذلك.

٥ - باب ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾: [الفرقان: ٧٧] هَلَكَةً

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: (﴿فسوف يكون﴾) جزاء التكذيب (﴿لزامًا﴾) [الفرقان: ٧٧]. قال أبو عبيدة (هلكة) وللأصيلي أي هلكة والمعنى فسوف يكون تكذيبكم مقتضيًا لهلاككم وعذابكم ودماركم في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس: موتًا ولزامًا خبر يكون واسمها مضمر كما مرّ.

٤٧٦٧ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ. وَاللِّزَامُ ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾.

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) أبو حفص النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>