والصحيح المنع فقد نقله صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما عن نص الشافعي وهو المشهور كما أشعر به كلام الرافعى، وذكر الأذرعي نحوه وما صححه النووي كما قاله الزركشي هو ما نص عليه الشافعي من إلحاق الخائف على نفس أو نحوها مما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. قال في الفتح: والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني، لكن قال في التنقيح: وإن دفع من مزدلفة غير سقاة ورعاة قبل نصف الليل فعليه دم إن لم يعد نصًا إليها ليلاً ولو بعد نصفه اهـ.
ومقتضاه العموم وكذا يسقط المبيت بها والرمي عن الرعاء بكسر الراء والمدان خرجوا منها قبل الغروب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لرعاء الإبل أن يتركوا المبيت رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وقيس بمنى مزدلفة فإن لم يخرجوا قبل الغروب بأن كانوا بهما بعده لزمهم مبيت تلك الليلة والرمي من الغد. وصورة الخروج قبل الغروب من مزدلفة أن يأتيها قبل الغروب ثم يخرج منها حينئذٍ على خلاف العادة، وإنما لم يقيد الخروج قبل الغروب في حق أهل السقاية لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي وألحق بأهل السقاية أيضًا الخائف على نفس أو مال أو فوت أمر يطلبه كآبق أو ضياع مريض، وكذا من اشتغل بتدارك الحج بأن انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف بها عن مبيت مزدلفة لاشتغاله بالأهم، وكذا من أفاض من عرفة إلى مكة ليطوف للإفاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت
لاشتغاله بالصواف كاشتغاله بالوقوف. وقال المالكية: ويلزم المبيت بمنى لياليها الثلاث والمتعجل ليلتين. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون، وابن عبد الحكم عن مالك: من أقام بمكة أكثر ليله ثم أتى منى فبات فيها باقي ليله فلا شيء عليه إلا أن يبيت ليلة كاملة فيلزمه الدم ولو كان له عذر من مرض أو غيره لم يسقط عنه الدم حكاه الباجي، وما حكاه عن ابن عبد الحكم وابن حبيب خلاف ما في المدوّنة والمشهور لزوم الدم إذا بات بغير منى جل ليلة. وقال المرداوي عن الحنابلة في تنقيحه: وفي ترك مبيت ليلة دم، وقال في شرح المقنع: فيه ما في حلق شعرة وهو مدّ من طعام قال وهو إحدى الروايات لأنها ليست نسكًا بمفردها بخلاف المبيت بمزدلفة قاله القاضي وغيره وقال لا تختلف الرواية أنه لا يجب دم.
١٣٤ - باب رَمْيِ الْجِمَارِ
وَقَالَ جَابِرٌ: رَمَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ.
(باب) وقت (رمي الجمار) واحدها جمرة وهي في الأصل النار المتقدة والحصاة واحدة جمرات المناسك وهي المرادة هنا وهي ثلاث الجمرة الأولى والوسطى وجمرة العقبة يرمين بالجمار قاله في القاموس، وقال القرافي من المالكية: الجمار اسم للحصى لا للمكان والجمرة اسم للحصاة وإنما سمي الوضع جمرة باسم ما جاوره وهو اجتماع الحصى فيه، والأولى منها هي التي تلي مسجد الخيف أقرب ومن بابه الكبير إليها ألف ذراع ومائتا ذراع وأربعة وخمسون ذراعًا وسدس ذراع، ومنها إلى الجمرة الوسطى مائتا ذراع وخمسة وسبعون ذراعًا ومن الوسطى إلى جمرة العقبة مائتا ذراع وثمانية أذرع كل ذلك بذراع الحديد.
(وقال جابر): هو ابن عبد الله الأنصاري مما وصله مسلم (رمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي رمي جمرة العقبة (يوم النحر ضحى)، بالتنوين على أنه مصروف وهو مذهب نحاة البصرة سواء قصد التعريف أو التنكير قال في الصحاح: تقول لقيته ضحى وضحى إذا أردت به ضحى يومك، تنوّنه. وقال في القاموس: الضحو والضحوة والضحية كعشية ارتفاع النهار والضحى فويقه ويذكر ويصغر ضحيا بلا هاء والضحاء بالمد إذا قرب انتصاف النهار وبالضم والقصر وأتيتك ضحوة ضحى وأضحى صار فيها اهـ.
ويدخل وقت الرمي يوم النحر بنصف ليلة النحر لما روى أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت ويبقى الرمي إلى آخر يوم النحر.
(ورمى) عليه الصلاة والسلام (بعد ذلك) الجمار أيام التشريق (بعد الزوال) ويمتدّ وقته المختار إلى الغروب ويندب تقديمه على صلاة الظهر كما في المجموع عن الأصحاب ولا يجوز تقديمه على الزوال.
١٧٤٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ. فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم)