للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جلاله (ألا) بالتخفيف (أعطيكم) بضم الهمزة (أفضل من ذلك) الذي أعطيتكم من نعيم الجنة (فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول) جل وعز (أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا). ومفهومه أن لله أن يسخط على أهل الجنة لأنه متفضل عليهم بالإنعامات كلها سواء كانت دنيوية أو أخروية، وكيف لا والعمل المتناهي لا يقتضي الأجزاء متناهيًا، وفي الجملة لا يجب على الله شيء أصلاً قاله الكرماني، وهو مأخوذ من كلام ابن بطال، وظاهر الحديث أيضًا أن الرضا أفضل من اللقاء. وأجيب: بأنه لم يقل أفضل من كل شيء بل أفضل من الإعطاء واللقاء يستلزم الرضا فهو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كذا نقله في الكواكب. قال في الفتح: ويحتمل أن يقال المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء وحينئذٍ فلا إشكال.

والمطابقة ظاهرة وأخرجه في الرقاق في باب صفة الجنة والنار.

٧٥١٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: «أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِى الزَّرْعِ فَقَالَ أَوَ لَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَىْءٌ». فَقَالَ الأَعْرَابِىُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجِدُ هَذَا إِلَاّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى العوقي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء مصغرًا ابن سليمان قال: (حدّثنا هلال) هو ابن علي (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبى ذر أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يومًا يحدّث) أصحابه (وعنده رجل من أهل البادية) لم يسم.

(أن رجلاً من أهل الجنة استأذن) بصيغة الماضي ولأبي ذر عن الحموي يستأذن (ربه في الزرع فقال: أولست) وللكشميهني فقال له أولست (فيما شئت) من المشتهيات (قال: بلى) يا رب (ولكني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولكن (أحب أن أزرع) فأذن له (فأسرع وبذر) بالذال المعجمة (فتبادر) ولأبي ذر عن الكشميهني فبادر (الطرف) بفتح الطاء منصوب مفعول لقوله (نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره) جمعه في البيدر (أمثال الجبال) يعني نبت واستوى إلى آخره قبل

طرفة العين (فيقول الله تعالى دونك) خذه (يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء) أي لما طبع عليه لأنه لا يزال يطلب الازدياد إلا من شاء الله، وقوله: لا يشبعك بضم التحتية وسكون الشين المعجمة بعدها موحدة مكسورة.

واستشكل هذا بقوله تعالى: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى} [طه: ١١٨] وأجيب: بأن نفي الشبع أعم من الجوع لثبوت الواسطة وهي الكفاية وأكل أهل الجنة لا عن جوع فيها أصلاً لنفي الله له عنهم، واختلف في الشبع والمختار أن لا شبع لأنه لو كان فيها لمنع طول الأكل المستلذ وإنما أراد الله تعالى بقوله: لا يشبعك شيء ذم ترك تلك القناعة بما كان وطلب الزيادة عليه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لا يسعك بفتح التحتية والسين المهملة من الوسع (فقال الأعرابي: يا رسول الله لا تجد هذا) الذي زرع في الجنة (إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن) أهل البادية (فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).

ومطابقة الحديث ظاهرة. وسبق في كتاب المزارعة في باب مجرد عقب باب كراء الأرض بالذهب.

٣٩ - باب ذِكْرِ اللَّهِ بِالأَمْرِ وَذِكْرِ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإِبْلَاغِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢] {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ: لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: ٧١، ٧٢] غُمَّةٌ: هَمٌّ وَضِيقٌ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: {اقْضُوا إِلَىَّ} [يونس: ٧١] {مَا فِى أَنْفُسِكُمْ} يُقَالُ افْرُقِ: اقْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٧١] إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ: وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَهْوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَهُ {النَّبَأُ الْعَظِيمُ} [النبأ: ٢] الْقُرْآنُ صَوَابًا حَقًّا فِى الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ.

(باب ذكر الله) تعالى لعباده يكون (بالأمر) لهم والإنعام عليهم إذ أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه (وذكر العباد) له تعالى (بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ) ولأبي ذر عن الكشميهني: والبلاغ لغيرهم من الخلق ما وصل إليهم من العلوم (لقوله تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: ١٥٢]) الذكر يكون بالقلب والجوارح فذكر اللسان الحمد والتسبيح والتمجيد وقراءة القرآن وذكر القلب التفكّر في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته والتفكّر في الجواب عن الشبه العارضة في تلك الدلائل والتفكر في الدلائل الدالة على كيفية تكاليفه من أوامره ونواهيه ووعده

ووعيده، فإذا عرفوا كيفية التكليف وعرفوا ما في الفعل من الوعد وفي الترك من الوعيد سهل فعله عليهم والتفكّر في أسرار مخلوقاته تعالى، وأما الذكر بالجوارح فهو عبارة عن كون الجوارح مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها فقوله تعالى: {فاذكروني} تضمن جميع الطاعات ولهذا قال سعيد بن جبير: اذكروني

<<  <  ج: ص:  >  >>