أصحابنا في ذلك وإنما اختلاف الرواية في نفس الإفساد هل يباح أو لا؟ ظاهر الرواية لا إلاّ لعذر، ورواية المنتقى يباح بلا عذر، ثم اختلف المشايخ على ظاهر الرواية هل الضيافة عذر أو لا؟ قيل: نعم، وقيل لا، وقيل عذر قبل الزوال لا بعده إلا إذا كان في عدم الفطر بعده عقوق لأحد الوالدين لا غيرهما حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث لتفطرن لا يفطر لقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ [محمد: ٣٣] وقوله تعالى: ﴿ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها﴾ [الحديد: ٢٧] الآية سبقت في معرض ذمهم
على عدم رعاية ما التزموه من القرب التي لم تكتب عليهم والقدر المؤدي عمل كذلك فوجب صيانته عن الإبطال بهذين النصين فإذا أفطر وجب قضاؤه تفاديًا عن الإبطال.
وأجيب: بأن المراد لا تحبطوا الطاعات بالكبائر أو بالكفر والنفاق والعجب والرياء والمن والأذى ونحوها وهذا غير الإبطال الوجب للقضاء، وقد قال ابن المنير من المالكية في الحاشية: ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان ونحوه، فمذهب الشافعية في هذه المسألة أظهر.
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما ذكرته مما يطول استقصاؤه ولا يخفى على متأمل، وأخرجه المؤلّف في الأدب وكذا الترمذي.
٥٢ - باب صَوْمِ شَعْبَانَ
(باب) فضل (صوم شعبان).
١٩٦٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ".
[الحديث ١٩٦٩ - طرفاه في: ١٩٧٠، ٦٤٦٥].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة ﵂) أنها (قالت) (كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم)، أي ينتهي صومه إلى غاية نقول إنه لا يفطر ويفطر فينتهي إفطاره إلى غاية حتى نقول إنه لا يصوم (فما) بالفاء ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: وما (رأيت رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان) وإنما لم يستكمل شهرًا غير رمضان لئلا يظن وجوبه "وما رأيته صيامًا منه في شعبان" بنصب صيامًا. قال البرماوي كالزركشي وروي بالخفض.
قال السهيلي: وهو وهم كأنه بناه على كتابتها بغير ألف على لغة من يقف على المنصوب المنون بلا ألف فتوهمه مخفوضًا لا سيما وصيغة أفعل تضاف كثيرًا فتوهمها مضافة، ولكن الإضافة هنا ممتنعة قطعًا ووجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكون أعمال العباد ترفع فيه ففي النسائي من حديث أسامة قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من المشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم، فبين ﷺ وجه صيامه لشعبان دون غيره من المشهور بقوله: إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما
فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس من يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك، وقيل في تخصيصه شعبان غير ذلك.
وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الصيام.
١٩٧٠ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ. وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا".
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (أن عائشة ﵂ حدثته قالت): (لم يكن النبي ﷺ يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله)، واستشكل هذا مع قوله في الرواية الأولى وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان.
وأجيب: بأن الرواية الأولى مفسرة لهذه ومبينة بأن المراد بكله غالبه، وقيل كان يصومه في وقت وبعضه في آخر، وقيل كان يصوم تارة من أوّله وتارة من وسطه وتارة من آخره ولا يترك منه شيئًا بلا صيام، لكن في أكثر من سنة كذا قاله غير واحد كالزركشي