للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله عنه به خطاياه، كما تحط الشجرة اليابسة ورقها.

وفيهما: ما من مصيبة تصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة، إلا كفر الله عز وجل بها خطاياه. فالغم على المستقبل، والحزن على الماضي،

والنصب والوصب المرض. وفيه: حلفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقوية لإيمان الضعيف، ومسمى مسلم وإن قل ولو مذنبًا، ومسمى أذى وإن قل، وذكر خطاياه ولم يقل: منها.

طفح الكرم حتى ... غفر بمجرد ألم

ولو لم يكن للمبتلى ... في الصبر قدم

٤٤ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ»

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ»

(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لابنه إبراهيم (إنّا بك لمحزونون وقال ابن عمر) بضم العين (رضي الله عنهما، عن النبى، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تدمع العين ويحزن القلب) وهذه الجملة كلها من باب إلى آخر قوله: ويحزن القلب ساقطة عند الحموي وثابتة لغيره.

١٣٠٣ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ -وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ. ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ -وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ- فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَذْرِفَانِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه-: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَاّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". رَوَاهُ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدَّثني (الحسن بن عبد العزيز) الجروي بفتح الجيم والراء نسبة إلى جروة، بفتح الجيم وسكون الراء، قرية من قرى تنيس، قال: (حدّثنا يحيى بن حسان) التنيسي، قال: (حدّثنا قريش) بضم القاف وبالشين المعجمة (هو ابن حيان) بفتح الحاء المهملة والمثناة التحتية، العجلي، بكسر العين، البصري (عن ثابت) البناني (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال):

(دخلنا مع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على أبي سيف القين) بفتح السين، والقين بالقاف وسكون التحتية آخره نون، صفة له، أي: الحداد، واسمه: البراء بن أوس الأنصاري (وكان ظئرًا) بكسر الظاء المعجمة وسكون الهمزة، أي: زوج المرضعة (لإبراهيم) ابن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بلبنه، والمرضعة زوجته: أم سيف، هي: أم بردة، واسمها: خولة بنت المنذر الأنصارية النجارية، (فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إبراهيم، فقبله، وشمه).

فيه مشروعية تقبيل الولد وشمه، وليس فيه دليل على فعل ذلك بالميت، لأن هذه إنما وقعت قبل موت إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. نعم، روى أبو داود وغيره: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبل عثمان بن مظعون بعد موته، وصححه الترمذي وروى البخاري: أن أبا بكر، رضي الله عنه، قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد موته، فلأصدقائه وأقاربه تقبيله.

(ثم دخلنا عليه) أي على: أبي سيف (بعد ذلك، وإبراهيم بجود بنفسه) يخرجها ويدفعها، كما يدفع الإنسان ماله: يجود به (فجعلت عينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تذرفان) بالذال المعجمة وكسر الراء وبالفاء أي: يجري دمعهما (فقال له) أي: للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه وأنت) بواو العطف على محذوف تقديره: الناس لا يصبرون عند المصائب، ويتفجعون وأنت (يا رسول الله) تفعل كفعلهم مع حثك على الصبر، ونهيك عن الجزع، فأجابه عليه الصلاة والسلام (فقال):

(يا ابن عوف إنها) أي: الحالة التي شاهدتها مني (رحمة) ورقة، وشفقة على الولد، تنبعث عن التأمل فيما هو عليه، وليست بجزع وقلة صبر كما توهمت، (ثم أتبعها) عليه الصلاة والسلام (بأخرى) أي: أتبع الدمعة الأولى بدمعة أخرى، أو: أتبع الكلمة الأولى الجملة، وهو قوله: إنها رحمة، بكلمة أخرى مفصلة، (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(إن العين تدمع والقلب) بالنصب والرفع (يحزن) لرقته من غير سخط لقضاء الله.

وفيه جواز الأخبار عن الحزن وإن كان كتمه أولى، وجواز البكاء على الميت قبل موته. نعم، يجوز بعده لأنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بكى على قبر بنت له، رواه البخاري. وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، رواه مسلم ولكنه قبل الموت أولى بالجواز، لأنه بعد الموت يكون أسفًا على ما فات، وبعد الموت خلاف الأولى. كذا نقله في المجموع عن الجمهور، لكنه نقل في الأذكار عن الشافعي والأصحاب، أنه مكروه لحديث: فإذا وجبت فلا تبكين باكية. قالوا وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت. رواه الشافعي وغيره بأسانيد صحيحة.

قال السبكي وينبغي أن يقال: إن كان البكاء لرقة على الميت، وما يخشى عليه من عذاب الله وأهوال يوم القيامة،

<<  <  ج: ص:  >  >>