وغيرها وأرجلهم (وتركوا) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم) زاد في الطهارة يستسقون فلا يسقون وذلك لارتدادهم والمرتد لا حرمة له كالكلب العقور.
٣٠ - باب مَا يُذْكَرُ فِى الطَّاعُونِ
(باب ما يذكر في) أمر (الطاعون) بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالاًّ على الموت العام كالوباء وفي تهذيب النووي هو بثر وورم موّلم جدًّا يخرج مع لهب وشمودّ ما حوله أو يخضر أو يحمرّ حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقيء ويخرج غالبًا في المراق والآباط وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد.
وقال ابن سينا: وسببه دم رديء يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويؤدّي إلى القلب كيفية رديئة فتحدث القيء والغثيان والغشى ولرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع والطوالعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبيئة، ومن ثم أطلق على الطاعون وباء وبالعكس والوباء فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده انتهى.
وحاصل هذا أنه ورم ينشأ عن هجيان الدم وانصباب الدم إلى عضو فيفسده وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء يسمى طاعونًا بطريق المجاز لاشتراكهما في عموم المرض به وهذا لا يعارض حديث الطاعون وخز أعدائكم من الجن إذ يجوز أن ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها، وإنما لم تتعرض الأطباء لكونه من
طعن الجن لأنه أمر لا يدرك بالعقل وإنما عرف من جهة الشارع فتكلموا في ذلك بما اقتضته قواعدهم، لكن في وقوع الطاعون في أعدل الفصول وأصح البلاد هواء وأطيبها ماء دلالة على أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى والطاعون يذهب أحيانًا ويجيء أحيانًا على غير قياس ولا تجربة وربما جاء سنة على سنة وربما أبطأ سنين وأيضًا لو كان من فساد الهواء لعمّ الناس والحيوان وربما يصيب الكثير من الناس ولا يصيب من هو بجانبهم ممن هو في مثل مزاجهم وربما يصيب بعض أهل البيت الواحد ويسلم منه الآخرون منهم، وأما ما يذكر من أنه وخز إخوانكم من الجن فقال ابن حجر: إنه لم يجده في شيء من طرق الحديث المسندة لا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة بعد التتبّع الطويل البالغ، وعزاه في آكام المرجان لمسند أحمد والطبراني وكتاب الطواعين لابن أبي الدنيا ولا وجود له في واحد منها.
فإن قلت: فإذا كان الطعن من الجن فكيف يقع في رمضان والشياطين تصفد فيه وتسلسل؟ وأجيب: باحتمال أنهم يطعنون قبل دخول رمضان ولم يظهر التأثير إلا بعد دخوله وقيل غير ذلك.
٥٧٢٨ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِى حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا». فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا وَلَا يُنْكِرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي أبو عمر الحوضي قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (حبيب بن أبي ثابت) قيس ويقال: هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي (قال: سمعت إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (قال: سمعت أسامة بن زيد) هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي (يحدّث سعدًا) والد إبراهيم المذكور (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا سمعتم بالطاعون) وقع (بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) قال حبيب بن أبي ثابت (فقلت) لإبراهيم بن سعد (أنت سمعته) أي سمعت أسامة (يحدث سعدًا) أباك (ولا ينكره) أبوك (قال: نعم) سمعته يحدّثه وسعد لا ينكره، وسقط قال نعم للحموي والمستملي.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب.
٥٧٢٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِى الأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِى النَّاسِ إِنِّى مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ. نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِى فِى هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ. [الحديث ٥٧٧٩ - طرفاه في: ٥٧٣٠، ٦٩٧٣].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب) بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي المدني عامل الكوفة لعمر بن عبد العزيز (عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل)