لأن فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع، وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الحسن من مركوب الآخر كالجمل والفرس يبدأ صاحب الفرس أو يكتفي بالنظر إلى أعلاهما قدرًا في الدين فيبدأ الذي دونه، وهذا الثاني أظهر كما لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدرًا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانًا يخشى منه (و) يسلّم (القليل على الكثير) لفضل الجماعة كما مرّ.
وهذا التعليق وصله البخاري في الأدب المفرد وأبو نعيم والبيهقي، وقول الكرماني عبّر البخاري بقوله وقال إبراهيم لأنه سمع منه في مقام الذاكرة ردّه الحافظ ابن حجر بأنه غلط
عجيب، فإن البخاري لم يدرك ابن طهمان فضلاً عن أن يسمع منه لأنه مات قبل مولد البخاري بست وعشرين سنة.
٨ - باب إِفْشَاءِ السَّلَامِ
(باب إفشاء السلام) أي إظهاره بين الناس ليحيوا سنته وسقط لفظ باب لأبي ذر.
٦٢٣٥ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِى الْفِضَّةِ، وَنَهَانَا عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّىِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الشيباني) بالشين المعجمة المفتوحة والتحتية الساكنة والموحدة وبعد الألف نون أبي إسحاق سليمان بن فيروز الكوفي الحافظ (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن أسود (عن معاوية بن سويد بن مقرن) بالقاف المفتوحة وكسر الراء المشددة (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) وسقط ابن عازب لأبي ذر أنه (قال: أمرنا رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع) أي بسبع خصال أو نحو ذلك فحذف مميز العدد (بعيادة المريض) مصدر مضاف إلى مفعوله كاللواحق (واتباع الجنائز) افتعال من تبع يتبع (وتشميت العاطس) بالمعجمة ويجوز بالمهملة بأن يقول له يرحمك الله إذا حمد (ونصر الضعيف) وفي باب تشميت العاطس ونصر المظلوم أي إغاثته ومنعه من الظالم (وعون المظلوم). قال في الفتح: الذي يظهر أن نصر الضعيف المراد به عون المظلوم (وإفشاء السلام) انتشاره وإظهاره وأقله كما قال النووي: أن يرفع صوته به بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنة. قال: ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه فإن شك استظهر، وقد أخرج المؤلّف في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عمر: إذا سلمت فأسمع فإنها تحية من عند الله لكن يستثنى من رفع الصوت ما إذا كان بحضرة نيام فقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان. رواه مسلم في صحيحه من حديث المقداد، ومن فوائد إفشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين، وفي مسلم عن أبي هريرة: ألا أدلكم على ما تحابون به أفشوا السلام بينكم (و) من المأمورات وهو سابعها لفظًا (إبرار المقسم}) بضم الميم وكسر السين اسم فاعل من أقسم أي إبرار يمين المقسم، والمراد بالأمر هنا المطلق في الإيجاب والندب لأن بعضها إيجاب وبعضها ندب، وليس ذلك من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن ذاك إنما هو في صيغة أفعل أما لفظ الأمر فيطلق عليهما حقيقة على المرجح لأنه حقيقة في القول المخصوص.
(ونهى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الشرب في) إناء (الفضة) والذهب من باب أولى والتعبير بالشرب خرج
مخرج الغالب (ونهانا) ولأبي ذر ونهى (عن تختم الذهب) لبسًا وكذا اتخاذًا (وعن ركوب المياثر) بالمثلثة جمع ميثرة بكسر الميم وسكون التحتية من غير همز وطاء في السروج يكون من الحرير والديباج (وعن لبس الحرير والديباج) وهو ما غلظ وثخن من ثياب الحرير (والقسي) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس ببلاد مصر، وقيل غير ذلك مما سبق في موضعه (والاستبرق) بهمزة قطع مكسورة. قال أبو البقاء: أصل استبرق فعل على استفعل فلما سمي به قطعت همزته وهو غليظ الديباج وكل ذلك سبق غير مرة.
والحديث سبق في الجنائز واللباس والأدب والطب والأشربة وأخرجه في النذور.
٩ - باب السَّلَامِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ
(باب) مشروعية (السلام للمعرفة وغير المعرفة).