المسابقة (بين الخيل التي لم تضمر) بتشديد الميم المفتوحة (وكان أمدها) أي غايتها (من الثنية) المعروة بثنية الوداع (إلى مسجد بني زريق) بضم الزاي بعدها راء مفتوحة (وأن عبد الله بن عمر كان سابق بها). أي بالخيل التي لم تضمر وفيه دليل على أن المراد بالمسابقة بين الخيل مركوبة وليس المراد إرسال الفرسين ليجريا بأنفسهما.
(قال أبو عبد الله): البخاري تبعًا لأبي عبيدة في المجاز (أمدًا) أي غاية. ({فطال عليهم الأمد}) وهذا مما اتفق عليه أهل اللغة وقد سقط قوله قال أبو عبد الله إلخ في رواية الحموي والكشميهني، وقد أورد ابن بطال هنا سؤالاً وهو كيف ترجم على إضمار الخيل؟ وذكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق بين الخيل التي لم تضمر، وأجاب بأنه أشار بطرف من الحديث إلى بقيته وأحال على سائره لأن تمام الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام سابق بين الخيل التي أضمرت وبين الخيل التي لم تضمر، وتعقبه ابن المنير فقال: إنما كان البخاري يترجم على الشيء من الجهة العامة لما قد يكون ثابتًا ولما قد يكون منفيًّا فمعنى قوله باب إضمار الخيل للسبق أي هل هو شرط أو لا فبيّن أنه ليس بشرط لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق بها مضمرة وغير مضمرة وهذا أقعد لمقاصد البخاري من قول الشارح، إنما ذكر طرفًا من الحديث ليدل على تمامه لأن لقائل أن يقول إذا لم يكن بدٌّ من الاختصار فذكر الطرف المطابق للترجمة أولى في البيان لا سيما والطرف المطابق هو أول الحديث، إذ أوله عن ابن عمر سابق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الخيل التي أضمرت من الحفياء إلى ثنية الوداع ثم ذكر الخيل التي لم تضمر كما ساق في هذه الترجمة فحمله على تأويلها لا يعترض عليه. قال ابن حجر: ولا منافاة بين كلامه وكلام ابن بطال بل أفاد النكتة في الاقتصار.
٥٨ - باب غَايَةِ السِّباق لِلْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن محمد) المسنديّ قال: (حدّثنا معاوية) بن عمرو الأزدي قال:
(حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحرث الفزاري (عن موسى بن عقبة) الأسدي المدني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (سابق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الخيل التي قد أضمرت) بضم الهمزة وكسر الميم (فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها) أي غايتها (ثنية الوداع) وأضيفت الثنية إلى الوداع لأنها موضع التوديع قال أبو إسحاق (فقلت لموسى): أي ابن عقبة (فكم كان بين ذلك قال: ستة أميال أو سبعة). وقال سفيان في الرواية السابقة خمسة أو ستة وهو اختلاف قريب (وسابق) عليه الصلاة والسلام (بين الخيل التي لم تضمر)، بتشديد الميم المفتوحة (فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها) أي غايتها (مسجد بني زريق). قال أبو إسحاق (قلت): أي لموسى (فكم بين ذلك؟ قال ميل أو نحوه). وقال سفيان ميل ولم يشك (وكان ابن عمر ممن سابق فيها). وذكر المؤلّف هذا الحديث في هذه الأبواب الثلاثة من ثلاثة طرق فأشار في الأول إلى مشروعية السبق بين الخيل وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة والأصل في السبق الخيل والإبل. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر). رواه الترمذي من حديث أبي هريرة وحسّنه ابن حبّان وصححه. قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- الخف الإبل، والحافر الخيل، وتجوز المسابقة على الفيل والبغل والحمار على المذهب أخذًا من الحديث السابق. والثاني: لا قصرًا للحديث على ما فسره به الشافعي وأشار بالثاني: إلى أن السُّنَّة أن يتقدم إضمار الخيل وأنه لا تمتنع المسابقة عليها عند عدمه. وبالثالث: إلى غاية السبق فيشترط الإعلام بالموضع الذي يبدآن بالجري منه والموضع المنتهي إليه وتساوي المتسابقين فيهما فلو شرط تقدم مبتدأ أحدهما أو منتهاه لم يجز، وفي الحديث أن المضمر لا يسابق مع غيره وهو محل اتفاق ولم يتعرض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك بل وليس في الكتب الستّة لها ذكر، لكن ترجم الترمذي لها باب