رأيتها في كتب التفسير قيل: وليس في الآية دلالة على أن الله تعالى لم يطلع نبيه على حقيقة الروح بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أن يطلعهم، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا فالله أعلم.
وقد قرر السهيلي فيما ذكره ابن كثير أن الروح هي ذات لطيفة كالهواء سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر وإن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء كما أن الماء حياة الشجر ثم يكتسب بسبب اختلاطه معها اسمًا خاصًا فماذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار ماء مصطارًا وخمرًا ولا يقال له ماء حينئذٍ إلا على سبيل المجاز وهكذا لا يقال للنفس روح إلا على هذا النحو وكذلك لا يقال للروح نفس إلا على هذا النحو باعتبار ما تؤول إليه فحاصل ما نقول إن الروح هي أصل النفس ومادّتها والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن انتهى. ثم إن ظاهر سياق هذا الحديث يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن نزولها إنما كان حين سأل اليهود عن ذلك بالمدينة مع أن السورة كلها مكية وقد يجاب باحتمال أن تكون نزلت مرة ثانية بالمدينة كما نزلت بمكة قبل.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه أيضًا في التوحيد والاعتصام ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير.
١٤ - باب: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}) [الإسراء: ١١٠] سقط لفظ باب لغير أبي ذر.
٤٧٢٢ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. [الحديث ٤٧٢٢ - أطرافه في: ٧٤٩٠، ٧٥٢٥، ٧٥٤٧].
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير مصغر بشر الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قال: نزلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مختف بمكة) يعني في أوّل الإسلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مختفي بإثبات التحتية بعد الفاء (كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع) ولأبي ذر سمعه (المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل (لنبيه) محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {ولا تجهر بصلاتك} أي بقراءتك) أي بقراءة صلاتك فهو على حذف المضاف (فيسمع المشركون فيسبوا القرآن) وللطبري
من وجه آخر عن سعيد بن جبير فقالوا له أي المشركون لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلهك ({ولا تخافت}) لا تخفض صوتك (بها عن أصحابك فلا تسمعهم) وإنما حذف المضاف لأنه لا يلبس من قبل أن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار ({وابتغ بين ذلك}) الجهر والمخافتة ({سبيلًا}) وسطًا.
٤٧٢٣ - حَدَّثَنِا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ. [الحديث ٤٧٢٣ - أطرافه في: ٦٣٢٧، ٧٥٢٦].
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدثني بالإفراد (طلق بن غنام) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام ثم قاف وغنام بالغين المعجمة والنون المشدّدة وبعد الألف ميم أبو محمد النخعي الكوفي قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أنزل ذلك) أي قوله ولا تجهر الخ (في الدعاء) من باب إطلاق الكل على الجزء إذ الدعاء من بعض أجزاء الصلاة. وأخرج الطبري وابن خزيمة والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام الحديث وزاد فيه في التشهد وهو مخصص لحديث عائشة إذ ظاهره أعم من أن يكون داخل الصلاة وخارجها. وعند ابن مردويه من حديث أبي هريرة كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت أو مراده معناها اللغوي على ما لا يخفى.
وهذا الحديث من أفراده.
[١٨]- سورة الْكَهْفِ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ مُجَاهِدٌ {تَقْرِضُهُمْ} تَتْرُكُهُمْ {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ {بَاخِعٌ} مُهْلِكٌ {أَسَفًا} نَدَمًا {الْكَهْفُ} الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ، {وَالرَّقِيمُ} الْكِتَابُ: مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ {رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا. {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}: {شَطَطًا} إِفْرَاطًا {الْوَصِيدُ} الْفِنَاءُ، جَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ وَيُقَالُ الْوَصِيدُ الْبَابُ، مُؤْصَدَةٌ مُطْبَقَةٌ آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ {بَعَثْنَاهُمْ} أَحْيَيْنَاهُمْ. أَزْكَى: أَكْثَرُ وَيُقَالُ أَحَلُّ وَيُقَالُ أَكْثَرُ رَيْعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُكْلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ} لَمْ تَنْقُصْ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {الرَّقِيمُ} اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ {فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ} فَنَامُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ وَأَلَتْ تَئِلُ تَنْجُو وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَوْئِلًا: مَحْرِزًا {لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} لَا يَعْقِلُونَ.
[١٨]- سورة الْكَهْفِ
مكية قيل إلا قوله: {واصبر نفسك} الآية وهي مائة وإحدى عشرة آية.
(بسم الله الرحمن الرحيم).