وكذلك، اختلف الأصوليون في عطف المطلق على المقيد هل هو مقيد للمطلق أم لا؟
قال المؤلّف (ولم يذكر الله الإطعام إنما قال تعالى) (﴿فعدة من أيام أخر﴾) وسكت عن الإطعام وهو الفدية لتأخير القضاء لكن لا يلزم عن عدم ذكره في القرآن أن لا يثبت بالسنة ولم يثبت فيه شيء مرفوع. نعم ورد عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس كما مرّ وعمر بن الخطاب فيما ذكره عبد الرزاق وهو قول الجمهور خلافًا للحنفية كما مرّ. قال الماوردي: وقد أفتى بالإطعام ستة من الصحابة ولا مخالف لهم فإن لم يمكنه القضاء لعذر بأن استمر مسافرًا أو مريضًا حتى دخل رمضان آخر فلا شيء عليه بالتأخير لأن تأخير الأداء بهذا العذر جائز فتأخير القضاء أولى بالجواز، ثم إن المد يتكرر بتكرر السنين إذ الحقوق المالية لا تتداخل.
١٩٥٠ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ﵂ تَقُولُ: "كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ" قَالَ يَحْيَى الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ ﷺ ".
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله اليربوعي التميمي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي قال (حدّثنا يحيى) قال الحافظ ابن حجر: هو ابن سعيد الأنصاري لا ابن أبي كثير كما وهم الكرماني تبعًا لابن التين (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (قال: سمعت عائشة ﵂ نقول: كان يكون عليّ الصوم من رمضان) وسقط لفظ من رمضان لابن عساكر وتكرير الكون لتحقيق القضية وتعظيمها والتقدير كان الشأن يكون كذا والتعبير بلفظ الماضي في الأول والمضارع في الثاني لإرادة الاستمرار وتكرار الفعل (فما أستطيع أن أقضي) ما فاتني من رمضان (إلا في شعبان. قال يحيى) بن سعيد المذكور بالسند السابق: (الشغل) بالرفع فاعل فعل محذوف أي قالت عائشة يمنعني الشغل أي أوجب ذلك الشغل، أو أن يحيى قال الشغل هو المانع لها فهو مبتدأ محذوف الخبر (من النبي) أي من أجله. وفي بعض الأصول قال يحيى: ذاك
عن الشغل من النبي (أو بالنبي ﷺ) لأنها كانت مهيئة نفسها له ﷺ مترصدة لاستمتاعه في جميع
أوقاتها إن أراد ذلك، وأما في شعبان فإنه ﷺ كان يصومه فتتفرغ عائشة ﵂ فيه لقضاء صومها. وقوله قال يحيى إلخ. فيه بيان أنه ليس من قول عائشة بل مدرج من قول غيرها، لكن وقع في مسلم مدرجًا لم يقل فيه قال يحيى فصار كأنه من قولها ولفظه: فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله ﷺ فهو نص في كونه من قولها. قال في اللامع: وفيه نظر لأنه ليس فيه تصريح بأنه من قولها فالاحتمال باق، وقد كان ﵊ له تسع نسوة يقسم لهن ويعدل فما تأتي نوبة الواحدة إلا بعد ثمانية أيام فكان يمكنها أن تقضي في تلك الأيام.
وأجيب: بأن القسم لم يكن واجبًا عليه فهن يتوقعن حاجته في كل الأوقات قاله القرطبي وتبعه العلاء بن العطار، والصحيح عند الشافعية وجوبه عليه فيحتمل أن يقال كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها.
وفي هذا الحديث أن القضاء موسع ويصير في شعبان مضيقًا وإن حق الزوج من العشرة والخدمة مقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضًا مضيقًا، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الصوم.
٤١ - باب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنِ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ.
(باب الحائض تترك الصوم والصلاة) لمنع الشارع لها من مباشرتهما. (وقال أبو الزناد): عبد الله بن ذكوان (أن السنن) جمع سنة (ووجوه الحق) الأمور الشرعية (لتأتي) بفتح اللام للتأكيد (كثيرًا على خلاف الرأي)، العقل والقياس (فما يجد المسلمون بُدًّا) أي افتراقًا وامتناعًا (من اتباعها) ويوكل الأمر فيها إلى الشارع ويتعبد بها من غير اعتراض كان يقال لم كان كذا: (من) جملة (ذلك) الذي أتى على خلاف الرأي (أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة) ومقتضى الرأي أن يكونا متساويين في الحكم لأن كلاًّ منهما عبادة تركت لعذر، لكن الأمور الشرعية الآتية على خلاف القياس لا يطلب فيها وجه الحكمة بل يوكل أمرها إلى الله تعالى لأن أفعال الله تعالى