للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بصيرته في القتال حتى يقتل وهم الأكثر والثالثة ثبتت معه عليه الصلاة والسلام ثم تراجعت الثانية لما عرفوا أنه عليه الصلاة والسلام حي (فذاك إذ يدعوهم الرسول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله إليّ عباد الله إليّ عباد الله (في أخراهم) في آخرهم ومن ورائهم.

وتقدّم هذا الحديث قريبًا وأخرجه أيضًا في التفسير.

[باب]

٢١ - {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: ١٥٤].

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا}) ثم أنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم. قال أبو البقاء: والأصل أنزل عليكم نعاسًا ذا أمنة لأن النعاس ليس هو الأمن بل هو الذي حصل به الأمن ({يغشى}) النعاس ({طائفة منكم}) هم أهل الصدق واليقين ({وطائفة}) هم المنافقون لم يغشهم النعاس ({قد أهمتهم أنفسهم}) ما يهمهم إلا هم أنفسهم وخلاصها لا هم الدين ولا هم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هم مستغرقون في همّ أنفسهم فلذا لم تنزل عليهم السكينة لأنها وارد روحاني لا يتلوث بهم ({يظنون بالله غير}) الظن ({الحق}) الذي يجب أن يظن به وهو أن لا ينصر محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ({ظن الجاهلية}) أي الظن المختص بالملة الجاهلية أو ظن أهل الجاهلية ({يقولون هل لنا من الأمر}) الذي يعدنا به محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من النصر والظفر ({من شيء}) إنما هو للمشركين استفهام على سبيل الإنكار ({قل}) يا محمد لهؤلاء المنافقين ({إن الأمر}) النصر والظفر ({كله لله}) يصرفه حيث يشاء ({يخفون في أنفسهم}) من الكفر والشرك أو يخفون الندم على خروجهم مع المسلمين ({ما لا يبدون لك}) خوفًا من السيف ({يقولون}) في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم إن الأمر كله لله ({لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا}) أي لو كان الأمر كما قال محمد: إن الأمر كله لله ولأوليائه وإنهم لغالبون لما غلبنا قط ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة ({قل لو كنتم في بيوتكم}) أي من علم الله منه أن يقتل في هذه المعركة وكتب في اللوح المحفوظ لم يكن بد من وجوه فلو قعدتم في بيوتكم ({لبرز}) من بينكم ({الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}) مصارعهم بأحد ليكون ما علم الله تعالى أنه يكون والحذر لا يمنع القدر والتدبير لا يقاوم التقدير وقد كتب الله في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين وكتب مع ذلك أن العاقبة في الغلبة لهم وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله وأن ما ينكبون في بعض الأوقات تمحيص لهم ({وليبتلي الله ما في صدوركم}) أي وليختبر ما في صدوركم من الإخلاص ({وليمحص ما في قلوبكم}) من وساوس الشيطان ({والله عليم بذات الصدور}) [آل عمران: ١٥٤] وهي الإسرار والضمائر لأنها حالة فيها مصاحبة لها وذكر ذلك ليدل به على أن ابتلاءه لم يكن لأنه يخفى عليه ما في الصدور وغيره لأنه عالم بجميع المعلومات

وإنما ابتلاهم لمحض الإلهية أي للاستصلاح وسقط لفظ باب لأبي ذر وابن عساكر وكذا قوله: {يغشى طائفة} الخ وقالا بعد قوله: {نعاسًا} إلى قوله: {بذات الصدور}.

٤٠٦٨ - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ. [الحديث ٤٠٦٨ - طرفه في: ٤٥٦٢].

وبه قال: (وقال لي خليفة) بن خياط أبو عمرو العصفري البصري في المذاكرة (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنت فيمن تغشاه) بفتح الغين والشين المشددة المعجمتين (النعاس يوم أُحد) أي وهم في مصافهم (حتى سقط سيفي من يدي مرارًا يسقط) من يدي (وآخذه ويسقط) من يدي (فآخذه) بالفاء ولأبي ذر وآخذه. قال ابن مسعود فيما رواه ابن أبي حاتم: النعاس في القتال أمنة، والنعاس في الصلاة من الشيطان وذلك لأنه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ عن الدنيا، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله، ثم ذلك النعاس كان فيه فوائد لأن السهر يوجب الضعف والكلال والنوم يفيد عود القوّة والنشاط، ولأن المشركين كانوا في غاية الحرص على قتلهم

<<  <  ج: ص:  >  >>