راء ابن كدام (عن عمرو بن عامر) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري وليس له رواية في البخاري إلاّ عن أنس ولا له في البخاري إلا حديثان هذا وآخر سبق في الطهارة أنه (قال: سمعت أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتجم) التعبير بكان يُشعِر بالمواظبة على القول بأن كان تقتضي التكرار (ولم يكن يظلم أحدًا أجره) أي لم يكن ينقص من أجر أحد ولا يردّه بغير أجر وهو أعم من أجر الحجام وغيره ممن يستعمله في عمل.
١٩ - باب مَنْ كَلَّمَ مَوَالِيَ الْعَبْدِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ
(باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه).
٢٢٨١ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلَامًا حَجَّامًا فَحَجَمَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا حجّامًا فحجمه) وسقط قوله حجامًا في رواية أبوي ذر والوقت، والظاهر أنه أبو طيبة وإن كان حجمه أبو هند مولى بني بياضة كما عند ابن منده وأبي داود لأنه ليس في حديثه عندهما ما في حديث أبي طيبة قوله: (وأمر له بصاع أو صاعين أو مدّ أو مدّين) أي من تمر والشك من شعبة (وكلم) عليه الصلاة والسلام بالواو وللحموي والمستملي: فكلم (فيه) مولاه محيصة بن مسعود، وإنما جمع في الترجمة كالحديث السابق على طريق المجاز أو كان مشتركًا بين جماعة من بني حارثة منهم محيصة (فخفف من ضريبته) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول.
وفي حديث عمر عند ابن أبي شيبة أن خراجه كان ثلاثة آصع والله أعلم.
٢٠ - باب كَسْبِ الْبَغِيِّ وَالإِمَاءِ وَكَرِهَ إِبْرَاهِيمُ أَجْرَ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {فَتَيَاتِكُمْ}: إِمَاؤُكُمْ.
(باب) حكم (كسب البغي) بفتح الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد التحتية أي الزانية (و) حكم كسب (الإماء) البغايا والممنوع كسب الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة. (وكره إبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة (أجر النائحة والمغنية) من حيث أن كلاًّ منهما معصية وإجارته باطلة كمهر البغيّ. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على كسب أو بالرفع على الناسشاف ({ولا تكرهوا فتياتكم}) أي إماءكم ({على البغاء}) أي الزنا. وكان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، وكان سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري أن عبد الله بن أُبيّ أمر أمة له بالزنا فجاءت ببرد فقال ارجعي فازني على آخر فقالت ما أنا براجعة فنزلت.
وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعًا وروى أبو داود والنسائي من طريق أبي الزبير سمع جابرًا قال: جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يُكرِهني على البغاء فنزلت والظاهر أنها نزلت فيهما وسمّاها الزهري معاذة ({إن أردن تحصنًا}).
قال في الكشاف، فإن قلت: لِمَ أقحم قوله: "إن أردن تحصنًا" قلت: لأن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصّن وآمر المؤاتية للبغاء لا يسمى مكرهًا ولا أمره إكراهًا وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذانًا بأن الباغيات كنّ يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهنّ وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حيز الشاذ النادر ({لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}) من خراجهنّ وأولادهن ({ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن}) لهنّ ({غفور رحيم}) [النور: ٣٣] وقال الترمذي: لهم أو لهنّ أو لهم ولهنّ إن تابوا وأصلحوا. وقال أبو حيان في البحر: فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم جواب الشرط، والصحيح أن التقدير غفور لهم ليكون جواب الشرط فيه ضمير يعود على من الذي هو اسم الشرط ويكون ذلك مشروطًا بالتوبة، ولما غفل الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء عن هذا الحكم قدّروا فإن الله غفور رحيم لهن أي للمكرهات فعريت جملة جواب الشرط من ضمير يعود على اسم الشرط وقد ضعف ما قلناه أبو عبد الله الرازي فقال: فيه وجهان. أحدهما: فإن الله غفور رحيم لهن لأن الإكراه يزيل الإثم والعقوبة عن المكره فيما فعل، والثاني: فإن الله غفور رحيم للمكره بشرط التوبة وهذا ضعيف لأنه على التفسير الأول لا حاجة لهذا الإضمار وعلى الثاني يحتاج إليه انتهى. وكلامهم كلام من لم يمعن في لسان العرب.