للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تنبيه عند الكرماني واستفتاح بمنزلة ألا أو بمعنى حقًا عند غيره (إنّه) بكسر الهمزة أو بفتحها على قول إن أما بمعنى حقًّا والضمير للشأن (يمنعني من ذلك أني) بفتح الهمزة فاعل يمنعني (أكره أن أُملكم) بضم الهمزة وكسر الميم وتشديد اللام المفتوحة أي أكره إملالكم وضجركم (وإني) بكسر الهمزة (أتخولكم) بالخاء المعجمة أي أتعهدكم (بالموعظة كما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخوّلنا بها) أي بالموعظة في مظان القبول ولا يكثر (مخافة السآمة علينا) إما أن يتعلق بالمخافة أو بالسآمة. وزعم بعضهم أن الصواب يتحوّلنا بالحاء المهملة، لكن الروايات الصحيحة بالخاء المعجمة.

١٣ - باب مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ

هذا (باب) بالتنوين (من) أي الذي (يرد الله به خيرًا) بالنصب مفعول يرد المجزوم لأنه فعل الشرط إذ الموصول متضمن معنى الشرط وكسر لالتقاء الساكنين وجواب الشرط (يفقهه) فالهاء ساكنة، وفي رواية للكشميهني زيادة (في الدين) وهي ساقطة عند الباقين، والفقه في الأصل الفهم يقال: فقه الرجل بالكسر يفقه فقهًا إذا فهم وعلم، وفقه بالضم إذا صار فقيهًا عالمًا وجعله العرف خاصًّا بعلم الشريعة ومخصصًا بعلم الفروع وإنما خصّ علم الشريعة بالفقه لأنه علم مستنبط بالقوانين والأدلة والأقيسة والنظر الدقيق بخلاف علم اللغة والنحو وغيرهما.

روي: أن سليمان نزل على نبطية بالعراق فقال لها: هل هنا مكان نظيف أصلي فيه؟ فقالت: طهّر قلبك وصلِّ حيث شئت. فقال: فقهت وفطنت الحق، ولو قال: علمت لم يقع هذا الموقع، ومفهومه أن من لم يتفقه في الدين فقد حرم الخير.

٧١ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي. وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ». [الحديث ٧١ - أطرافه في: ٣١١٦، ٣٦٤١، ٧٣١٢، ٧٤٦٠].

وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون المثناة التحتية آخره راء المصري واسم أبيه كثير بمثلثة، وإنما نسبه المؤلف لجده لشهرته به، المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا ابن وهب) بسكون الهاء واسمه عبد الله بن مسلم القرشي المصري الفهري الذي لم يكتب الإمام مالك لأحد الفقه إلا له فيما قيل؛ المتوفى بمصر سنة سبع وتسعين ومائة لأربع بقين من شعبان (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: قال حميد بن عبد الرحمن) بن عوف وحاء حميد مضمومة، وفي نسخة حدّثني بالإفراد حميد بن عبد الرحمن قال: (سمعت معاوية) بن أبي سفيان صخر بن حرب كاتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذا المناقب الجمة، المتوفى في رجب سنة ستين وله من العمر ثمان وسبعون سنة، وله في البخاري ثمانية أحاديث أي سمعت قوله حال كونه (خطيبًا) حال كونه (يقول سمعت النبي) وفي رواية الأصيلي: سمعت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كلامه حال كونه (يقول):

(من يرد الله) عز وجل بضم المثناة التحتية وكسر الراء من الإرادة وهي صفة مخصصة لأحد طرفي الممكن المقدر بالوقوع (به خيرًا) أي جميع الخيرات أو خيرًا عظيمًا (يفقهه) أي يجعله فقيهًا (في الدين) والفقه لغة الفهم والحمل عليه هنا أولى من الاصطلاحي ليعم فهم كل من علوم الدين، ومن موصول فيه معنى الشرط كما مرّ، ونكر خيرًا ليفيد التعميم لأن النكرة في سياق الشرط كهي في سياق النفي أو التنكير للتعظيم إذ إن المقام يقتضيه، ولذا قدر كما مرّ بجميع وعظيم (وإنما أنا قاسم) أي أقسم بينكم تبليغ الوحي من خير تخصيص (والله يعطي) كل واحد منكم من الفهم على قدر ما تعلقت به إرادته تعالى، فالتفاوت في أفهامكم منه سبحانه، وقد كان بعض الصحابة يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم أو من القرن الذي يليهم أو ممّن أتى بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة ({ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة: ٤].

وقال الطيبي: الواو في قوله: وإنما أنا قاسم للحال من فاعل يفقهه أو من مفعوله، فعلى الثاني فالمعنى أن الله تعالى يعطي كلاًّ ممن أراد أن يفقهه استعدادًا لدرك المعاني على قدره له، ثم

يلهمني بإلقاء ما هو لائق باستعداد كل واحد، وعلى الأوّل فالمعنى أني ألقي على ما يسنح لي وأسوّي فيه ولا أرجح بعضهم على بعض، والله يوفق كلاًّ منهم على ما أراد وشاء من العطاء انتهى.

وقال غيره: المراد القسم المالي، لكن سياق الكلام يدل على

<<  <  ج: ص:  >  >>