الذي يبدأ) أخاه (بالسلام) عطف على الجملة السابقة من حيث المعنى لما يفهم منها أن ذلك الفعل ليس بخبر وعلى القول بأن الأولى حال، فهذه الثانية عطف على قوله لا يحل، وزاد الطبراني من طريق أخرى عن الزهري بعد قوله بالسلام يسبق إلى الجنة، ولأبي داود وبسند صحيح عن أبي هريرة ﵁: فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن ردّ فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة.
وقال في المصابيح: حاول بعض الناس أن يجعل هذا دليلاً على فرع ذكروا أنه مستثنى من القاعدة المشهورة وهي أن الفرض أفضل من النفل وهذا الفرع المستثنى هو الابتداء بالسلام فإنه سنة والرد واجب. قال بعض الناس: والابتداء أفضل لقوله ﷺ "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" واعلم أنه ليس في الحديث أن الابتداء خير من الجواب وإنما فيه من المبتدئ خير من المجيب، وهذا لأن المبتدئ فعل حسنة وتسبب إلى فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء من حسن طوية المبتدئ وترك ما يكرهه الشارع من الهجر والجفاء فإن الحديث ورد في المسلمين يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وكان المبتدئ خيرًا من حيث إنه مبتدئ بترك ما كرهه الشارع من التقاطع لا من حيث إنه يسلم انتهى.
وقال الأكثرون: تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه، وقال الإمام أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أوّلاً.
٦٣ - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى
وَقَالَ كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَنَهَى النَّبِىُّ ﷺ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً.
(باب ما يجوز من الهجران لمن عصى) لينتهي عن عصيانه (وقال كعب) هو ابن مالك الأنصاري كما سبق موصولاً في حديثه الطويل في أواخر المغازي (حين تخلف) في غزوة تبوك (عن النبي ﷺ: ونهى النبي ﷺ المسلمين عن كلامنا) زاد في غزوة تبوك أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس الحديث وسمى الاثنين فيه وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية (وذكر) أن زمان هجرة المسلمين عنهم كان (خمسين ليلة). قال الطبري: وهذه القصة أصل في هجران أهل المعاصي أي نحو الفاسق والمبتدع وإنما لم يهجر الكافر مع كونه أشد جرمًا لأن الهجرة تكون بالقلب واللسان فالكافر بالقلب وترك التودد والتعاون والتناصر ولم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه به عن كفره بخلاف المسلم العاصي فإنه ينزجر بذلك غالبًا.
٦٠٧٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّى لأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ». قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» قَالَتْ: قُلْتُ أَجَلْ لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلاَّ اسْمَكَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة ﵂ أنها (قالت: قال رسول الله ﷺ):
(إني لأعرف غضبك ورضاك قالت: قلت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وقلت (وكيف تعرف ذاك) الغضب والرضا مني (يا رسول الله؟ قال) ﷺ: (إنك إذا كنت راضية قلت بلى) ولأبي ذر لا (ورب محمد وإذا كنت ساخطة قلت لا ورب إبراهيم قالت: قلت أجل لست أهجر إلا اسمك) بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام كنعم وزنًا ومعنى إلا أن نعم أحسن في جواب الاستفهام وأجل أحسن في التصديق قاله الأخفش.
فإن قلت: الغضب على النبي ﷺ معصية كبيرة. أجيب: بأن الحامل لعائشة على ذلك إنما هو الغيرة التي جبلت عليها النساء وهي لا تنشأ إلا عن فرط المحبة فلما كان غضبها ذلك لا
يستلزم البغض اغتفر وقد دل قولها ﵂ لا أهجر إلا اسمك على أن قلبها مملوء بمحبته ﷺ.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل.
٦٤ - باب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا؟
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل يزور) الشخص (صاحبه كل يوم أو) يزوره (بكرة) من طلوع الشمس إلى زوالها (وعشيًّا) من الزوال إلى العتمة، وقد قيل إلى الفجر وسقطت الهمزة من قوله، أو لأبي ذر فالواو مفتوحة وهذا لا يعارض حديث: "زر غبًّا تزدد حبًّا" المروي عند الحاكم في تاريخ نيسابور والخطيب في تاريخ بغداد وغيرهما من طرق لأن عمومه يقبل التخصيص فيحمل على من ليست له خصوصية ومودة ثابتة فلا تنقص