للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذّي والله تعالى منزّه عن أن يصير في حقه الأذى إذ هو محال عليه، وإنما هذا من التوسع في الكلام والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله ﷿ (يسب الدهر) يقول إذا أصابه مكروه بؤسًا للدهر وتبًّا له (وأنا الدهر) بالرفع في الفرع كالأصول المعتمدة وضبط الأكثرين والمحققين أي أنا خالق الدهر (بيدي الأمر) الذي ينسبونه إلى الدهر (أقلب الليل والنهار).

وروي نصب الدهر من قوله أنا الدهر أي أقلب الليل والنهار في الدهر والرفع كما مر أوجه قال في شرح المشكاة لأنه لا طائل تحته على تقدير النصب لأن تقديم الظرف إما للاهتمام أو للاختصاص ولا يقتضي المقام ذلك لأن الكلام مفرغ في شأن المتكلم لا في الظرف ولهذا عرف الخبر لإفادة الحصر فكأنه قيل أنا أقلب الليل والنهار لا ما تنسبونه إليه، قيل الدهر الثاني غير الأول وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه أنا الداهر المصرف المدبر المقدر لما يحدث فإذا سب ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبّه إليّ لأني فاعلها، وإنما الدهر زمان جعلته ظرفًا لمواقع الأمور قاله الشافعي والخطابي وغيرهما. وهذا مذهب الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب المنكرين للمعاد والفلاسفة الدهرية الدورية المنكرين للصانع المعتقدين أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه وكابروا المعقول وكذبوا المنقول قال ابن كثير وقد غلط ابن حزم ومَن نحا نحوه من الظاهرية في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم وأبو داود في الأدب والنسائي في التفسير.

[٤٦] سورة الأَحْقَافِ

(بِسم الله الرحمن الرحيم) وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿تُفِيضُونَ﴾ تَقُولُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ (أَثَرَةٍ وَأُثْرَةٍ

وَأَثَارَةٍ بَقِيَّةُ عِلْمٍ). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩] لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ هَذِهِ الأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ تَوَعُّدٌ، إِنْ صَحَّ مَا تَدَّعُونَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ: أَتَعْلَمُونَ أَبَلَغَكُمْ أَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ خَلَقُوا شَيْئًا.

[[٤٦] سورة الأحقاف]

مكية وآيها أربع أو خمس وثلاثون، ولأبي ذر سورة حم الأحقاف (بسم الله الرحمن الرحيم). (وقال مجاهد) مما وصله الطبري في (﴿تفيضون﴾) من قوله تعالى: ﴿هو أعلم بما تفيضون فيه﴾ [الأحقاف: ٨] أي (تقولون) من التكذيب بالقرآن والقول فيه بأنه سحر وهذا ساقط لأبي ذر (وقال بعضهم: أثرة) بفتحات من غير ألف وعزيت لقراءة علي وابن عباس وغيرهما (وأُثرة) بضم فسكون ففتح وعزيت لقراءة الكسائي في غير المشهور (وأثارة) بالألف بعد المثلثة وهي قراءة العامة مصدر على فعالة كضلالة ومراده قوله تعالى: ﴿إيتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم﴾ [الأحقاف: ٤] هي (بقية علم) ولأبي ذر من علم وأثرة وإثرة وإثارة برفع الثلاثة والتنزيل بالجر وبهذا قاله أبو عبيدة والفرّاء.

(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (﴿بدعًا من الرسل﴾) [الأحقاف: ٩] أي (لست بأوّل الرسل) ولأبي ذر ما كنت بأول الرسل فكيف تنكرون نبوّتي وإخباري بأني رسول الله.

(وقال غيره) أي غير ابن عباس (﴿أرأيتم﴾) من قوله: ﴿قل أرأيتم إن كان من عند الله﴾ [الأحقاف: ١٠] (هذه الألف) التي في أوّل أرأيتم المستفهم بها (إنما هي توعد) لكفار مكة حيث ادعوا صحة ما عبدوه من دون الله (إن صح ما تدّعون) بتشديد الدال في زعمكم ذلك (لا يستحق أن يعبد) لأنه مخلوق ولا يستحق أن يعبد إلا الخالق (وليس قوله: ﴿أرأيتم﴾ برؤية العين) التي هي الإبصار (إنما هو) أي معناه (أتعلمون أبلغكم أن ما تدعون) بسكون الدال مخففة (من دون الله خلقوا شيئًا) ومفعولا أرأيتم محذوفان تقديره أرأيتم حالكم إن كان كذا ألستم ظالمين وجواب الشرط أيضًا محذوف تقديره فقد ظلمتم ولهذا أُتِيَ بفعل الشرط ماضيًا وسقط من قوله وقال غيره إلى هنا لأبي ذر.

١ - باب ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾

هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: (﴿والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما﴾) أي التأفيف لكما وهي كلمة كراهية (﴿أتعدانني أن أخرج﴾) من قبري حيًّا (﴿وقد خلت القرون من قبلي﴾) فلم

يبعث أحد منهم (﴿وهما يستغيثان الله﴾) أي يسألان الله أن يغيثه بالتوفيق للإيمان أو يقولان الغياث بالله منك (﴿ويلك﴾) أي يقولان له

<<  <  ج: ص:  >  >>