هو ما دون العشرة من الرجال (يؤذن) ولأبي ذر عن الكشميهني: يؤذنون (في الناس) بمنى (أن لا يحجن) بنون التوكيد الثقيلة (بعد العام مشرك ولا يطوف) بالنصب (بالبيت عريان فكان حميد يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة) وهذه الزيادة أدرجها شعيب عن أبي هريرة كما في الجزية، ولفظه عن أبي هريرة: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج أكبر يوم النحر، وإنما قيل أكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التي حج فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشرك، وقول حميد هذا استنبطه من قوله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: ٣] ومن مناداة أبي هريرة بذلك بأمر أبي بكر يوم النحر، فدلّ على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر وسياق رواية شعيب يوهم أن ذلك مما نادى به أبو هريرة وليس كذلك فقد تظافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان ينادي به أبو هريرة هو ومن معه من قبل أبي بكر شيئان منع حج المشركين ومنع طواف العريان، وأن عليًّا أيضًا كان ينادي بهما وكان يزيد من كان له عهد فعهده إلى مدته وأن لا يدخل الجنة إلا مسلم وكأن هذه الأخيرة كالتوطئة لأن لا يحج بعد العام مشرك، وأما التي قبلها فهي التي اختص في بتبليغها قاله في الفتح.
٥ - باب {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله سبحانه وتعالى: {فقاتلوا أئمة الكفر}) أي فقاتلوا المشركين الذين نقضوا العهد وطعنوا في دينكم بصريح التكذيب وتقبيح أحكام الله فوضع أئمة الكفر موضع المضمر إذ التقدير فقاتلوهم للإشارة إلى أنهم بذلك صاروا رؤساء الكفرة وقادتهم أو المراد رؤساؤهم وخصوا بذلك لأن قتلهم أهم ({إنهم لا أيمان لهم}) [التوبة: ١٢] بفتح الهمزة جمع يمين وهو المناسب للنكث ومعنى نفيها عنهم أنهم لا يوفون بها وإن صدرت منهم واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر لا تكون شرعية، وعند الشافعية يمين شرعية بدليل وصفها بالنكث وقرأ ابن عامر بكسرها مصدر آمن يؤمن إيمانًا أي لا تصدق لهم أو لا أمان لهم وسقط باب لغير أبي ذر.
٤٦٥٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلَاّ ثَلَاثَةٌ وَلَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَاّ أَرْبَعَةٌ،
فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُخْبِرُونَا فَلَا نَدْرِي فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَاّ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثنا زيد بن وهب) الجهني أبو سليمان الكوفي المخضرم (قال: كنا عند حذيفة) بن اليمان (فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة)، كذا وقع مبهمًا عند البخاري، ووافقه النسائي وابن مردويه كلاهما على الإبهام وإيراد ذلك هنا وهو يومئ إلى أن المراد الآية المسوقة هنا.
وروى الطبري من طريق حبيب بن حسان عن زيد بن وهب قال كنا عند حذيفة فقرأ هذه الآية: {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد، لكن وقع عند الإسماعيلي من رواية ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ ما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية {لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: ١] الآية إلا أربعة نفر، إن أحدهم لشيخ كبير. قال الإسماعيلي: إن كانت الآية ما ذكر في خبر ابن عيينة فحق هذا الحديث أن يخرج في سورة الممتحنة، والمراد بكونهم لم يقاتلوا أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط لأن لفظ الآية وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا فلما لم يقع منهم نكث ولا طعن لم يقاتلوا.
وقوله: إلا ثلاثة سمي منهم في رواية أبي بشر عن مجاهد أبو سفيان بن حرب وفي رواية معمر عن قتادة أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان وسهيل بن عمرو، وتعقب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهو حي فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما قاله في الفتح. وقال البرماوي كالكرماني: أي ثلاثة آمنوا ثم ارتدوا وطعنوا في الإسلام من ذوي الرئاسة والتقدم فيه أي في الكفر.
(ولا من المنافقين) الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر (إلا أربعة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسميتهم انتهى، وقد كان حذيفة