في الأبواب قبلها أن كلام الله صفة قائمة به وبأنه لم يزل متكلمًا ولا يزال. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن غرضه أن كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعًا واحدًا وأنه وإن كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم قال: وأحاديث الباب كالمصرّحة بهذا المراد.
وقوله تعالى: ({لقول}) ولأبي ذر: إنه لقول ({فصل}) أي (حق {وما هو بالهزل} [الطارق: ١٣ و١٤]) أي (باللعب) وهذا مأخوذ من قول أبي عبيدة في كتابه المجاز ومن حق القرآن وقد وصفه الله تعالى بهذا أن يكون مهيبًا في الصدور معظمًا في القلوب يترفع به قارئه وسامعه أن يلمّ بهزل أو يتفكّه بمزاح.
٧٤٩١ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِى الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) سيد التابعين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم) أي بأن ينسب إليّ ما لا يليق بجلالي وهذا من المتشابهات والله تعالى منزّه عن أن يلحقه أذى إذ هو محال عليه فهو من التوسّع في الكلام والمراد أن من وقع ذلك منه تعرّض لسخط الله تعالى (يسب الدهر) الليل والنهار فيقول إذا أصابه مكروه بؤسًا للدهر وتبًّا له ونحو ذلك (وأنا الدهر) أي خالقه (بيدي الأمر) الذي ينسبونه إلى الدهر (أقلّب الليل والنهار) فإذا سبّ ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبّه إليّ لأني فاعلها وإنما الدهر زمان جعلته ظرفًا لمواقع الأمور.
ومطابقته لما ترجم في إثبات إسناد القول إلى الله تعالى وهو من الأحاديث القدسية.
وسبق في تفسير سورة الجاثية.
٧٤٩٢ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِى، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان كذا للجميع أبو نعيم عن الأعمش إلا لأبي علي بن السكن فقال: حدّثنا أبو نعيم حدّثنا الأعمش فزاد فيه الثوري لكن قال أبو علي الجياني: الصواب قول من خالفه من سائر الرواة (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال:
(يقول الله عز وجل الصوم لي) خصّه تعالى به لأنه لم يعبد به أحد غيره بخلاف السجود وغيره (وأنا أجزي) صاحبه (به). وقد علم أن الكريم إذا تولى الإعطاء بنفسه كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء ففيه مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب (يدع) يترك الصائم (شهوته) الجماع (و) يدع (أكله وشربه من أجلي) أي خالصًا (والصوم جنة) بضم الجيم وتشديد النون وقاية من النار أو المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة (وللصائم فرحتان) يفرحهما (فرحة حين يفطر) حين انتهاء صومه في الدنيا (وفرحة حين يلقى ربه) يوم القيامة (ولخلوف) بفتح اللام وضم الخاء المعجمة رائحة (فم الصائم) المتغير لخلاء معدته من الطعام (أطيب عند الله من ريح المسك) أي أذكى عند الله منه إذ إنه تعالى لا يوصف بالشم نعم هو عالم به كبقية المدركات المحسوسات ألا يعلم من خلق.
والحديث سبق في الحج بمباحثه وما فيه ومطابقته لما ترجم به في قوله يقول الله.
٧٤٩٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِى فِى ثَوْبِهِ فَنَادَى رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِى عَنْ بَرَكَتِكَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(بينما) بالميم (أيوب) عليه السلام (يغتسل) حال كونه (عريانًا خرّ عليه رجل جراد) بكسر الراء وسكون الجيم جماعة كثيرة منه (من ذهب) وسمي جرادًا لأنه يجرد الأرض فيأكل ما عليها (فجعل) أيوب (يحثي) بفتح أوله وسكون الحاء المهملة بعدها مثلثة يأخذ بيده ويرمي (في ثوبه فناداه) فقال له (ربه) تعالى (يا أيوب) كلمه كموسى أو بواسطة الملك (ألم أكن أغنيتك) بفتح الهمزة وبعد التحتية الساكنة فوقية ولأبي ذر عن الكشميهني أغنك بضم الهمزة وبعد المعجمة الساكنة نون مكسورة فكاف (عما ترى) من جراد