المؤاخذة هنا ولم يبين تلك المؤاخذة ما هي وبينها في آية المائدة بقوله (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فكفارته فبين أن المؤاخذة هي الكفارة فكل مؤاخذة من هاتين الآيتين مجملة من وجه مبينة من وجه آخر فصارت كل واحدة منهما مفسرة للأخرى من وجه وحصل من كل واحدة منهما أن كل يمين ذكرت على سبيل الجدّ وربط القلب بها، فالكفارة فيها ويمين الغموس كذلك كانت الكفارة واجبة فيها ({والله غفور حليم}) [البقرة: ٢٢٥] حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم، وسقط لأبي ذر من قوله (ولكن) الخ وقال الآية:
٦٦٦٣ - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} [البقرة: ٢٢٥] قَالَ: قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِى قَوْلِهِ لَا وَاللَّهِ بَلَى وَاللَّهِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت في قوله تعالى ({لا يؤاخذكم الله باللغو}) [البقرة: ٢٢٥] زاد أبو ذر فى أيمانكم (قال: قالت أنزلت في قوله لا والله وبلى والله) وبه تمسك الشافعي أيضًا لكونها شهدت التنزيل فهي أعلم من غيرها بالمراد وقد جزمت بأنها نزلت في قول لا والله وبلى والله، وقد صرح برفعه عن عائشة في حديثها المروي في سنن أبي داود من طريق إبراهيم الصائغ عن
عطاء عنها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لغو اليمين هو كلام الرجل في يمين كلا والله وبلى والله". وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه.
١٥ - باب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِى الأَيْمَانِ. وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: ٥]
وَقَالَ {لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: ٧٣]
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا حنث) بكسر النون وبالمثلثة الحالف حال كونه (ناسيًا في الأيمان) هل تجب عليه الكفارة أو لا (وقول الله تعالى {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به}) [الأحزاب: ٥] أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي وسقطت الواو لأبي ذر (وقال) تعالى: ({لا تؤاخذني بما نسيت}) [الكهف: ٧٣] بالذي نسيته أو بنسياني ولا مؤاخذة على الناسي.
٦٦٦٤ - حَدَّثَنَا خَلَاّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ».
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) السلمي بضم السين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف وتخفيف المهملة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا زرارة بن أوفى) بضم الزاي وتخفيف الراء وأوفى بالفاء وفتح الهمزة العامري قاضي البصرة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (يرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسبق في العتق من رواية سفيان من مسعر بلفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدل قوله هنا يرفعه (قال):
(إن الله) عز وجل (تجاوز لأمتي عما وسوست أو) قال (حدثت به أنفسها) بالنصب للأكثر وبالرفع لبعضهم أي بغير اختيارها كقوله تعالى: {ونعلم ما توسوس به نفسه} [ق: ١٦] (ما لم تعمل به) بالذي وسوست أو حدّثت (أو تكلم) بفتح الميم بلفظ الماضي. وقال الكرماني، وتبعه العيني بالجزم قال: وأراد أن الوجود الذهني لا أثره له وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات.
فإن قلت: ليس في الحديث ذكر النسيان الذي ترجم به. أجيب: بأن مراد البخاري إلحاق ما يترتب على النسيان بالتجاوز لأنه من متعلقات عمل القلب، وظاهر الحديث أن المراد بالعمل عمل الجوارح لأن المفهوم من لفظ ما لم تعمل يشعر بأن كل شيء في الصدر لا يؤاخذ به سواء توطن أو لم يتوطن، وفي الحديث إشارة إلى عظم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها لقوله: تجاوز لأمتي واختصاصها بذلك.
والحديث سبق في الطلاق والعتاق.
٦٦٦٥ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلَاّ قَالَ: افْعَلْ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة المؤذن البصري (أو) حدّثنا (محمد) هو ابن يحيى الذهلي (عنه) عن عثمان بن الهيثم وكل من عثمان بن الهيثم ومحمد الذهلي شيخ البخاري وكذا وقع مثل هذا في باب الذريرة أواخر كتاب اللباس (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: سمعت ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (يقول: حدثني) بالإفراد (عيسى بن طلحة) بن عبيد الله بضم العين التيمي (أن عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما- (حدّثه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينما) بالميم (هو يخطب يوم النحر) بمنى على ناقته (إذ قام إليه