الأحجار إلحاقًا بالبول، وحمل الأمر بغسله على الاستحباب، أو أنه خرج مخرج الغالب، والفعلان بالجزم على الأمر وهو يشعر بأن المقداد سأل لنفسه، ويحتمل أن يكون سأل لمبهم، ويقوّيه رواية مسلم فسأل عن المذي يخرج من الإنسان أو لعليّ، فوجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخطاب إليه، والظاهر أن عليًّا كان حاضرًا للسؤال فقد أطبق أصحاب الأطراف والمسانيد على إيراد هذا الحديث في مسند عليّ، ولو حملوه على أنه لم يحضره لأوردوه في مسند المقداد.
ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون ما عدا أبا الوليد فبصري، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلف في العلم والطهارة ومسلم فيها والنسائي فيها وفي العلم أيضًا.
١٤ - باب مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ، وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ
(باب من تطيب) قبل الاغتسال من الجنابة (ثم اغتسل) منها (وبقي أثر الطيب) في جسده وقد كانوا يتطيبون عند الجماع للنشاط.
٢٧٠ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: "مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
وبه قال (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه) محمد (قال سألت عائشة) رضي الله عنها عن الطيب قبل الإحرام (فذكرت) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر وذكرت (لها قول ابن عمر) بن الخطاب (ما أحب أن أصبح) بضم الهمزة فيهما (محرمًا أنضخ) بالخاء المعجمة أو المهملة روايتان (طيبًا) نصب على التمييز (فقالت عائشة) رضي الله عنها:
(أنا طيبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم طاف في نسائه) كناية عن الجماع، ومن لازمه الاغتسال. وقد ذكرت أنها طيبته قبل ذلك (ثم أصبح محرمًا) ناضخًا طيبًا، وبذلك يحصل الرد على ابن عمر ومطابقة ترجمة الباب.
٢٧١ - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ. [الحديث ٢٧١ - أطرافه في: ١٥٣٨، ٥٩١٨، ٥٩٢٣].
وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس كما في رواية أبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) خال إبراهيم (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت كأني أنظر إلى وبيص) بالصاد المهملة بعد المثناة التحتية اللاحقة للموحدة المكسورة بعد الواو المفتوحة أي بريق (الطيب) لعين قائمة لا لرائحة (في مفرق) بفتح الميم وكسر الراء وقد تفتح أي مكان فرق شعر (النبي) وفي رواية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو من الجبين إلى دائرة وسط الرأس (وهو محرم) ومطابقة هذا الحديث للترجمة من نظر وبيص الطيب بعد الإحرام ومن سنية الغسل عنده، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يدعه، ومباحث تطيب المحرم تأتي إن شاء الله تعالى في الحج.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين خراساني وواسطي وكوفي وفيه ثلاثة من التابعين والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في اللباس ومسلم والنسائي في الحج.
١٥ - باب تَخْلِيلِ الشَّعَرِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْه
(باب تخليل الشعر) في غسل الجنابة (حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته) من الإرواء أي جعله
ريان والبشرة ظاهر الجلد وهو ما تحت شعره (أفاض عليه) أي صب الماء على شعره وللأصيلي عليها أي على بشرته، واقتصر ابن عساكر على قوله أفاض ولم يقل عليه ولا عليها.
٢٧٢ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنْ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ.
وبه قال: (حدّثئا عبدان) هو عبد الله بن عثمان العتكي مولاهم المروزي وعبدان لقبه (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اغتسل) أي إذا أراد الاغتسال (من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه
للصلاة ثم اغتسل) أي أخذ في أفعال الاغتسال، (ثم يخلّل بيده شعره) كله وهو واجب عند المالكية في الغسل لقوله عليه الصلاة والسلام: "خللوا الشعر فإن تحت كل شعرة جنابة" سُنّة في الوضوء للحية عند أبي يوسف، فضيلة عند أبي حنيفة ومحمد، سُنّة فيهما عند الشافعية وفي الروضة وأصلها يخلل الشعر بالماء قبل إفاضته ليكون أبعد عن الإسراف في الماء، وفي المهذب يخلل اللحية أيضًا (حتى إذا ظن) أي علم أو على بابه ويكتفي فيه بالغلبة (أنه قد) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللحموي