حموضة الخل قاله ابن هشام في حاشية التسهيل وهو بديع جدًا.
الحالة الثالثة: أن يخلع منه المعنى الثاني وهو المشاركة، وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة وذلك نحو قولك: يوسف أحسن أخوته اهـ.
وحاصله أن الأفظ هنا بمعنى فظ. قال في الفتح: وفيه نظر للتصريح بالرَجيح المقتضي لحمل أفعل على بابه، والجواب أن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة فلا يستلزم ما في الحديث بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلاً فقد أمره الله تعالى بالأغلاظ على الكافرين والمنافقين في قوله تعالى: ﴿واغلظ عليهم﴾ [التوبة: ٧٣] فالنفي بالنسبة إلى المؤمنين والأمر بالنسبة إلى الكافرين والمنافقين أو النفي محمول على طبعه الكريم الذي
جبل عليه والأمر محمول على المعالجة وكان عمر مبالغًا في الزجر عن المكروهات مطلقًا، وفي طلب المندوبات كلها فلذا قال النسوة له ذلك.
(قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا) بفاء مفتوحة فجيم مشددة طريقًا واسعًا (إلا سلك فجًّا غير فجك). قال النووي: هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه. وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون على سبيل ضرب المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان، وسقط لأبي ذر: والذي نفسي بيده.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل عمر ومسلم في الفضائل والنسائي في المناقب واليوم والليلة.
٣٢٩٥ - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ -أُرَاهُ أَحَدُكُمْ- مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدَّثني بالإفراد (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي الزبيري (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة بن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التميمي القرشي (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله بن عثمان التميمي القرشي (عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(إذا استيقظ -أراه) بضم الهمزة أي أظنه (أحدكم- من منامه) سقط لأبي ذر عن الكشميهني أراه أحدكم (فتوضأ فليستنثر ثلاثًا) بأن يخرج ما في أنفه من أذى بنفسه بعد الاستنشاق لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن، وبإزالة ما فيه تصح مجاري الحروف (فإن الشيطان يبيت على خيشومه) حقيقة لأن الأنف أحد المنافذ التي يتوصل منها إلى القلب لا سيما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الأذنين، وقد جاء في التثاؤب الأمر بكظمه من أجل دخول الشيطان حينئذٍ في الفم، ويحتمل أن يكون على الاستعارة فإنه ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذر يوافق الشيطان قاله القاضي عياض.
وقال التوربشتي والبيضاوي: الخيشوم هو أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ الذي هو موضع الحسن المشترك ومستقر الخيال فإذا نام تجتمع فيه الأخلاط وييبس عليه المخاط ويكل الحس ويتشوش الفكر فيرى أضغاث أحلام فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال واستعصى عليه النظر الصحيح وعسر الخضوع والقيام على حقوق الصلاة وأدائها.
ثم قال التوربشتي: ما ذكر هو من طريق الاحتمال وحق الأدب دون الكلمات النبوية التي هي مخازن لأسرار الربوبية ومعادن الحكم الإلهية أن لا يتكلم في هذا الحديث وأخواته لأن الله تعالى خصّ رسول الله ﷺ بغرائب المعاني وكاشفه عن حقائق الأشياء ما يقصر عن بيانه باع الفهم ويكلّ عن إدراكه بصر العقل اهـ.
وظاهر الحديث يقتضي أن يحصل هذا لكل نائم، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بمن لم يحترز من الشيطان بشيء من الذكر كما في حديث آية الكرسي: ولا يقربك شيطان.
وسقط