وبه قال:(حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن شريك بن عبد الله) بن أبي نمر بفتح النون وكسر الميم بعدها راء المدني التابعي (أنه قال: سمعت ابن مالك) ولأبي ذر والأصيلي سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- (يقول: ليلة أسري) بضم الهمزة (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مسجد الكعبة أنه جاءه) بكسر الهمزة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنه بفتح الهمزة جاء بإسقاط الضمير (ثلاثة نفر) كذا في الفرع كأصله. وقال في الفتح في رواية الكشميهني: إذ جاءه بدل أنه قال والأول أولى والنفر الثلاثة لم أقف على أسمائهم صريحًا لكنهم من الملائكة لكن في رواية ميمون بن سياه عن أنس عند الطبري فأتاه جبريل وميكائيل (قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أوّلهم: أيّهم هو)؟ محمد، وقد روي أنه كان نائمًا معه حينئذٍ عمه حمزة بن عبد المطلب وابن عمه جعفر بن أبي طالب (فقال: أوسطهم هو خيرهم: فقال آخرهم): ولأبي ذر عن الكشميهني فقال أحدهم أي أحد النفر الثلاثة (خذوا خيرهم) للعروج به إلى السماء (فكانت تلك الليلة) أي فكانت تلك القصة الواقعة تلك الليلة ما ذكر هنا فالضمير المستتر في كانت لمحذوف وكذا خبر كان (فلم يرهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك (حتى أتوه ليلة أخرى) أي يعين المدة بين المجيئين فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحي إليه، وحينئذٍ وقع الإسراء والمعراج إذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين، وبهذا يحصل الجواب عما استشكله الخطابي وابن حزم وعبد الحق وعياض والنووي من قوله قبل أن يوحى إليه، ونسبتهم رواية شريك إلى الغلط لأن المجمع عليه أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل أن يوحى إليه وإن شريكًا تفرّد بذلك فارتفع الإشكال. كذا قرره الحافظ ابن حجر رحمه الله. وقيل: المراد قبل أن يوحى إليه في بيان الصلاة ومنهم مَن أجراه على ظاهره ملتزمًا أن الإسراء كان مرتين قبل النبوّة وبعدها كما حكاه في المصابيح، ونقلته عنه في كتابي المواهب اللدنية. وأما دعواهم تفرّد شريك فقال الحافظ أيضًا: إنه قد وافقه كثير بن خنيس بالخاء المعجمة ونون مصغرًا عن أنس كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في كتاب المغازي من طريقه وكان مجيء الملائكة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه وكانت الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم) الثابت في الروايات أنه كان في اليقظة فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال، وإلاّ فيحمل هذا مع قوله آخر الحديث. واستيقظ وهو في المسجد الحرام على أنه كان في طرفي القصة نائمًا وليس في ذلك ما يدل على كونه نائمًا فيها كلها (فلم يكلموه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل) عليه السلام (فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته) بفتح اللام والموحدة المشددة موضع القلادة من الصدر ومن هنا تنحر الإبل (حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده) بيد جبريل (حتى أنقى جوفه) ليتهيأ للترقي إلى الملأ الأعلى ويثبت في المقام الأسنى ويتقوّى لاستجلاء الأسماء الحسنى وكذا وقع شق صدره الشريف في صغره عند حليمة وعند النبوّة ولكلٍّ حكمة، بل ذكر الشق مرة أخرى نبهت عليها مع غيرها في المواهب تبعًا للحافظ ابن حجر.
(ثم أتى) عليه الصلاة والسلام (بطست من ذهب) وكان إذ ذاك لم يحرم اسعماله (فيه تور من ذهب) بالمثناة الفوقية من تور وهو إناء يشرب فيه وهو يقتضي أن يكون غير الطست وأنه كان داخل الطست (محشوًّا إيمانًا وحكمة). قال في الفتح قوله محشوًّا حال من الضمير في الجار والمجرور والتقدير بطست كائن من ذهب فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور وأما إيمانًا فعلى التمييز وتعقبه العيني فقال فيه نظر، والذي يقال إن محشوًّا حال من التور الموصوف