يصير (مضغة) قطعة لحم سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضعه الماضغ (مثل ذلك) الزمان (ثم يبعث الله إليه) في الطور الرابع حتى يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (ملكًا) وهو الموكّل بالرحم أي يأمره (بأربع كلمات) يكتبها من القضايا المقدرة في الأزل (فيكتب) الملك الكتابة المعهودة في صحيفة أو بين عينيه (عمله) هل هو صالح أو فاسد (وأجله) أهو طويل أو قصير (ورزقه) أهو حلال أو حرام قليل أو كثير والثلاثة نصب بيكتب ولأبي ذر فيكتب بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًّا للمفعول عمله وأجله ورزقه يرفع الثلاثة على النيابة عن الفاعل (و) هو (شقي) باعتبار ما يختم له (أم سعيد) باعتبار ما يختم له. كما دل عليه الحديث، والمراد أن الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب مثلاً عمل هذا الجنين صالح وأجله ثمانون سنة ورزقه حلال وهو سعيد. قال الحافظ ابن حجر: وحديث ابن مسعود بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار كل طور منها في أربعين (ثم) بعد تمامها (ينفخ فيه الروح
فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار) من المعاصي والباء زائدة والأصل يعمل عمل أهل النار لأن قوله عمل إما مفعول مطلق أو مفعول به وكلاهما مستغن عن الحرف فزيادة الباء للتأكيد أو ضمن يعمل معنى يتلبس في عمله بعمل أهل النار (حتى ما يكون) رفع على أن حتى ابتدائية ويجوز النصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل (بينه وبينها) أي النار (إلاّ ذراع) تمثيل بقرب حالة الموت وضابط الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة (فيسبق عليه الكتاب) الذي كتبه الملك عليه وهو في بطن أمه عقب ذلك من غير مهلة (فيعمل بعمل أهل الجنة) عند ذلك (فيدخل الجنة) وموضع عليه نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعًا عليه. والمراد بسبق الكتاب سبق ما تضمنه على حذف مضاف أو المراد المكتوب، والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء الشقاوة والمكتوب في اقتضاء السعادة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبّر عن ذلك بالسبق لأن السابق يحصل مراده دون المسبوق.
(وأن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات (حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار). وفي الحديث إن الأعمال حسنها وسيئها إمارات وليست بموجبات، وإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في الابتداء إلى غير ذلك مما يتعلق بالأصول والفروع مما يأتي إن شاء الله تعالى الإلمام بشيء منه في القدر بعون الله تعالى.
٣٣٣٣ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ بْنِ مَالِك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي بكر بن أنس) أبي معاذ (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن الله وكّل) بتشديد الكاف (في الرحم ملكًا فيقول) عند وقوع النطفة التماسًّا لإتمام الخلقة (يا رب) بحذف ياء المتكلم هذه (نطفة) أي مني (يا رب) هذه (علقة) قطعة من دم جامدة (يا رب) هذه (مضغة) قطعة لحم مقدار ما يمضع وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكوّن منها أم لا؟ (فإذا أراد) سبحانه وتعالى (أن يخلقها قال) الملك: (يا رب أذكر) هو (يا رب) هو (أنثى يا رب) هو (شقي) عاص لك (أم سعيد) مطيع لك (فما الرزق) الذي يعيش به (فما الأجل)؟ أي مدة حياته إلى وقت موته (فيكتب كذلك) بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًا للمفعول (في بطن أمه). ظرف ليكتب.
وهذا الحديث سبق في الحيض.
٣٣٣٤ - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحرثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي. فَأَبَيْتَ إِلَاّ الشِّرْكَ». [الحديث ٣٣٣٤ - طرفاه في: ٦٥٣٨، ٦٥٥٧].
وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم بعد الواو الساكنة نون (عن أنس يرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(إن الله) عز وجل (يقول) يوم القيامة (لأهون أهل النار عذابًا) قيل هو أبو طالب (لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به) بالفاء من الافتداء