عطفًا على الكيل أي باب في بيان الكيل، وفي بيان معنى قوله تعالى: ({وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}) [المطففين: ٣] وفي حديث ابن عباس عند النسائي وابن ماجة لما قدم نبي الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله تعالى: {ويل للمطففين} فحسنوا بعد ذلك (يعني كالوا لهم أو وزنوا لهم كقوله: {يسمعونكم} يسمعون لكم) فحذف الجار وأوصل الفعل أو كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
قال في الكشاف: ولا يصح أن يكون ضميرًا مرفوعًا للمطففين لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أن المعنى إذا أخذوا من الناس استوفوا وإذا أعطوهم أخسروا، وإن جعلت الضمير للمطففين انقلب إلى قولك إذا أخذوا من الناس استوفوا وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا وهو كلام متنافر لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر انتهى.
وتعقبه أبو حيان فقال: لا تنافر فيه بوجه ولا فرق بين أن يؤكد الضمير أم لا يؤكد والحديث واقع في الفعل غاية ما في هذا أن متعلق الاستيفاء وهو على الناس مذكور وهو في كالوهم أو وزنوهم محذوف للعلم به لأنه معلوم أنهم لا يخسرون الكيل والميزان إذا كان لأنفسهم إنما يخسرون ذلك لغيرهم، وسقط قوله يعني كالوا لهم الخ في رواية ابن عساكر.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله النسائي وابن حبان في حديث لما اشترى من طارق بن عبد الله المحاربي وأصحابه جملاً بصيعان من تمر وأرسل إليهم رجلاً بتمر يأمرهم بالأكل من التمر وقال: (اكتالوا حتى تستوفوا) ثمن جملكم.
ومطابقته للترجمة من جهة أن الاكتيال يستعمل لما يأخذه المرء لنفسه كقوله: اكتسب إذا حصل الكسب.
(ويذكر) بضم أوله وفتح مبنيًّا للمفعول (عن عثمان -رضي الله عنه-) فيما وصله الدارقطني وأحمد وابن ماجة والبزار (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا) وللكشميهني قال له إذا (بعت فكل) بكسر الكاف (وإذا) بالواو، وللحموي والمستملي: فإذا (ابتعت) اشتريت (فاكتل) أي إذا بعت فكن كائلاً وإذا اشتريت فكن مكيلاً عليك أي الكيل على البائع لا المشتري. قال ابن بطال: فيه أنه يكيل له غيره إذا اشترى ويكيل لغيره إذا باع.
٢١٢٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من ابتاع طعامًا فلا يبيعه) ولأبي ذر: فلا يبعه بالجزم بلا الناهية (حتى يستوفيه) أي يقبضه وقد سبق هذا الحديث قريبًا.
٢١٢٧ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ فَطَلَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا: الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَىَّ. فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ عَلَى أَعْلَاهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ قَالَ: كِلْ لِلْقَوْمِ، فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَىْءٌ". وَقَالَ فِرَاسٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى". وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «جُذَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ». [الحديث ٢١٢٧ - أطرافه في: ٢٣٩٥، ٢٣٩٦، ٢٤٠٥، ٢٦٠١، ٢٧٠٩، ٢٧٨١، ٣٥٨٠، ٤٠٥٣، ٦٢٥٠].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن مغيرة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة ابن مقسم بكسر الميم أبي هشام الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال: توفي عبد الله بن عمرو بن حرام) بفتح العين وسكون الميم وحرام بالراء المهملة وهو أبو جابر هذا (وعليه دين) الواو للحال (فاستعنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الاستعانة وفي باب الشفاعة في الدين فاستشفعت (على غرمائه أن يضعوا) أي يتركوا (من دينه) شيئًا (فطلب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم فلم يفعلوا) أي لم يتركوا شيئًا (فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اذهب فصنّف تمرك أصنافًا) أي اعزل كل صنف على حدة اجعل (العجوة) وهي ضرب من أجود التمر بالمدينة (على حدة وعذق زيد على حدة) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة منصوب عطفًا على العجوة المنصوب بالمقدر مضافًا إلى شخص يسمى زيدًا وهو نوع من التمر رديء ولأبي ذر: عذق زيد بكسر العين. قال الجوهري بالفتح النخلة وبالكسر الكباسة وأصناف تمر المدينة كثيرة جدًّا فذكر أبو محمد الجويني في الفروق أنه كان بالمدينة فبلغه أنهم عدّوا عند أميرها صنوف الأسود خاصة فزادت على الستين قال: والتمر الأحمر أكثر عندهم من الأسود. (ثم أرسل إليّ) بلفظ الأمر قال جابر: (ففعلت) ما أمرني به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم أرسلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ