للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الإعانة، وفي رواية الكشميهني في باب: استعانة المكاتب في الكتابة فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الإعياء والضمير للأواقي وهو متجه المعنى أي أعجزتني عن تحصيلها. قالت عائشة: (فقلت) لها (إن أحب أهلك) بكسر الكاف أو مواليك (أن أعدّها لهم) أي تسع الأواقي ثمنًا عنك وأعتقك (ويكون ولاؤك) الذي هو سبب الإرث (لي فعلت) ذلك، (فذهبت بريرة) أي من عند عائشة (إلى أهلها فقالت لهم) مقالة عائشة لها (فأبوا عليها) أي امتنعوا، ولأبي ذر في نسخة: فأبوا ذلك عليها (فجاءت من عندهم) وللحموي والمستملي: من عندها إلى عائشة (ورسول الله جالس) عندها (فقالت) لعائشة (إني عرضت) ولغير أبي ذر: إني قد عرضت (ذلك) الذي قلته وكاف ذلك بالفتح في الفرع. وقال في المصابيح بكسرها لأن الخطاب لعائشة (عليهم) وللكشميهني: من ذلك عليهم (فأبوا) فامتنعوا منه (إلا أن يكون الولاء لهم) استثناء مفرغ لأن في أبى معنى النفي. قال الزمخشري في قوله تعالى في سورة التوبة: ﴿ويأبى الله إلا أن يتم نوره﴾ [التوبة: ٣١].

فإن قلت: كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدًا؟ قلت: قد أجري أبى مجرى لم يرد. ألا ترى كيف قوبل: ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم﴾ بقوله: ﴿ويأبى الله﴾ وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره.

(فسمع النبي ) ذلك من بريرة على سبيل الإجمال (فأخبرت عائشة النبي ) به على سبيل التفصيل زاد في الشروط فقال: ما شأن بريرة؟ ولمسلم من رواية أبي أسامة، ولابن خزيمه من رواية حماد بن سلمة وأحمد كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي جالس فقالت لي فيما بيني وبينها: ما ردّ أهلها. فقلت: لاها الله إذًا ورفعت صوتي وانتهرتها، فسمع ذلك النبي فسألني فأخبرته (فقال) لعائشة:

(خذيها) أي اشتريها منهم (واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة) ما أمرها به من شرائها، وهذا صريح في أن كتابتها كانت موجودة قبل البيع فيكون دليلاً لقول الشافعي القديم بصحة بيع رقبة المكاتب ويملكه المشتري مكاتبًا ويعتق بأداء

النجوم إليه والولاء له، وأما على قوله الجديد: إنه لا يصح بيع رقبته فاستشكل الحديث.

وأجيب: بأنها عجزت نفسها ففسخ مواليها كتابتها. واستشكل الحديث أيضًا من حيث أن اشتراط البائع الولاء مفسد للعقد لمخالفته ما تقرر في الشرع من أن الولاء لمن أعتق، ولأنه شرط زائد على مقتضى العقد لا مصلحة فيه للمشتري فهو كاستثناء منفعته، ومن حيث أنها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصح، وكيف أذن لها النبي في ذلك.

وأجيب: بأن راويه هشامًا تفرّد بقوله واشترطي لهم الولاء فيحمل على وهم وقع له لأنه لا يأذن فيما لا يجوز وهذا منقول عن الشافعي في الأم ورأيته عنه في المعرفة للبيهقي، وأثبت الرواية آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لردّه، وأجاب آخرون بأن لهم بمعنى عليهم كما في قوله تعالى: ﴿وإن أسأتم فلها﴾ [الإسراء: ٧] وهذا مشهور عن المزني وجزم به عنه الخطابي وأسنده البيهقي في المعرفة من طريق أبي حاتم الرازي عن حرملة عن الشافعي، لكن قال النووي: تأويل اللام بمعنى على هنا ضعيف لأنه أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره، وأجاب آخرون بأنه خاص بقصة عائشة لمصلحة قطع عادتهم كما خص فسخ الحج إلى العمرة بالصحابة لمصلحة بيان جوازها في أشهره. قال النووي: وهذا أقوى الأجوبة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل، وأجاب آخرون بأن الأمر فيه للإباحة وهو على وجه التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم فوجوده كعدمه فكأنه قال: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم، ويؤيد هذا قوله في رواية أيمن الآتية إن شاء الله

<<  <  ج: ص:  >  >>