تمليك بلا عوض في الحياة وأورد عليه ما لو أهدي لغني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا تمليك فيه وما لو وقف شيئًا فإنه تمليك بلا عوض وليس بهبة.
وأجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه بل تمليك لكن يمنع من التصرف فيه بالبيع ونحوه كما علم من باب الأضحية، وعن الثاني بأنه تمليك منفعة وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به الأعيان وهي شاملة للهدية والصدقة، فأما الهدية فهي تمليك ما يبعث غالبًا بلا عوض إلى المهدى إليه إكرامًا له فلا رجوع فيها إذا كانت لأجنبي فإن كانت من الأب لولده فله الرجوع فيها بشرط بقاء الموهوب في سلطنة المتهب، ومنها الهدي المنقول إلى الحرم ولا يقع اسم الهدية على العقار لامتناع نقله فلا يقال أهدى إليه دارًا ولا أرضًا بل على المنقول كالثياب والعبيد.
واستشكل ذلك بأنهم صرّحوا في باب النذر بما يخالفه حيث قالوا لو قال: لله عليّ أن أهدي هذا البيت أو الأرض أو نحوهما مما ينقل صحّ وباعه ونقل ثمنه.
وأجيب: بأن الهدي وإن كان من الهدية لكنهم توسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم وبتعميمه في المنقول وغيره ولهذا لو نذر الهدي انصرف إلى الحرم ولم يحمل على الهدية إلى فقير، وأما الصدقة فهي تمليك ما يعطى بلا عوض للمحتاج لثواب الآخرة، وأما الهبة فهي تمليك بلا عوض خالٍ عما ذكر في الصدقة والهدية بإيجاب وقبول لفظًا بأن يقول نحو وهبت لك هذا فيقول قبلت، ولا يشترطان في الهدية على الصحيح بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك وكلٌّ من الصدقة والهدية هبة ولا عكس فلو حلف لا يهب له فتصدّق عليه أو أهدى له حنث والاسم عند الإطلاق ينصرف إلى الأخير واستعمل المؤلّف المعنى الأعم فإنه أدخل فيها الهدايا.
٢٥٦٦ - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». [الحديث ٢٥٦٦ - طرفه في: ٦٠١٧].
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) أبو الحسين الواسطي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصدّيق قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن الحرث بن أبي ذئب (عن المقبري) سعيد (عن أبيه) كيسان بفتح الكاف وسقط قوله عن أبيه في رواية الأصيلي وابن عساكر وكريمة.
قال في الفتح: وضبب عليه في رواية النسفيّ والصواب إثباته (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(يا نساء المسلمات) بضم الهمزة منادى مفرد معرّف بالإقبال عليه والمسلمات صفة له فيرفع على اللفظ وينصب على المحل ويجوز فتح الهمزة على أنه منادى مضاف، والمسلمات حينئذٍ صفة لموصوف محذوف تقديره يا نساء الطوائف أو نساء النفوس المسلمات فيخرج حينئذٍ عن إضافة الموصوف إلى الصفة، وأنكر ابن عبد البر رواية الإضافة وردّه ابن السيد بأنها قد صحت نقلاً وساعدتها اللغة فلا معنى للإنكار، وفي النسخة المقروءة على الميدومي: يا نساء المؤمنات، ورواه الطبراني من حديث عائشة بلفظ يا نساء المؤمنين (لا تحقرن جارة) هدية مهداة (لجارتها) ولأبي ذر: لجارة (ولو) أنها تهدي (فرسن شاة) بفاء مكسورة فراء ساكنة فسين مهملة مكسورة عظم قليل اللحم وهو للبعير موضع الحافر من الفرس ويطلق على الشاة مجازًا، وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وإن كان قليلاً فهو خير من العدم وإذا تواصل القليل صار كثيرًا وفي حديث عائشة المذكور يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة فإنه يثبت المودة ويذهب الضغائن.
وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا، وأخرجه الترمذي من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة ولم يقل عن أبيه، وزاد في أوله تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر الحديث. وقال:
غريب. وأبو معشر مضعف وقال الطرقي: أنه أخطأ فيه لم يقل عن أبيه كذا قال وقد تابعه محمد بن عجلان عن سعيد أخرجه أبو عوانة لكن من زاد فيه عن أبيه أحفظ وأضبط فروايتهم أولى قاله الحافظ ابن حجر.
٢٥٦٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: "ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَارٌ. فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَاّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا". [الحديث ٢٥٦٧ - طرفاه في: ٦٤٥٨، ٦٤٥٩].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز