حال كونها (طاهرًا من غير جماع) في ذلك الطهر ولا في حيض قبله وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة وهي تعتدّ بالأقراء وذلك لاستعقابه الشروع في العدّة (ويشهد شاهدين) لقوله عز وجل: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}[الطلاق: ٢] وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن مردويه قال: كان نفر من المهاجرين يطلقون لغير عدّة ويراجعون بغير شهود فنزلت، وأما تسميته بالسني فقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: الطلاق السني المسنون وهو كالمندوب في استعقاب الثواب، والمراد به هنا المباح لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب، فمعنى المسنون منه ما يثبت على وجه لا يستوجب عتابًا. نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها عقب جماعها أو حائضًا فمنع نفسه إلى الطهر الآخر فإنه يُثاب لكن لا عن الطلاق في الطهر الخالي عن الحيض بل على كف نفسه عن ذلك الإيقاع على ذلك الوجه امتناعًا عن المعصية.
وأما البدعي؛ فطلاق مدخول بها بلا عوض منها في حيض أو نفاس أو في عدّة طلاق رجعي وهي تعتدّ بالإقراء وذلك لمخالفته قوله تعالى:{فطلقوهن لعدّتهن} وزمن الحيض والنفاس لا يحسب من العدّة والمعنى فيه تضررها بطول مدة التربص أو في طهر جامعها فيه أو استدخلت ماءه فيه ولو كان الجماع أو الاستدخال في حيض قبله؛ أو في الدبر إن لم يتبين حملها وكانت ممن يحبل لأدائه إلى الندم عند ظهور الحمل لأن الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد وألحقوا الجماع في الحيض بالجماع في الطهر لاحتمال العلوق فيه، والجماع في الدبر كالجماع في القُبل لثبوت النسب ووجوب العدّة به، وهذا الطلاق حرام للنهي عنه، وقال النووي: أجمع الأمة على تحريمه بغير رضا المرأة فإن طلقها أثم ووقع طلاقه.
وبه قال:(حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلّق امرأته) هي آمنة بمدّ الهمزة وكسر الميم بنت غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء أو بنت عمار بعين مهملة مفتوحة ثم ميم مشدّدة. قال ابن حجر: والأول أولى وفي مسند أحمد أن اسمها النوار ويمكن أن يكون اسمها آمنة ولقبها النوّار (وهي حائض) جملة حالية (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأل عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) عن حكم طلاق ابنه على الصفة المذكورة. زاد الزهري كما في التفسير عن سالم أن ابن عمر أخبره فتغيّظ فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعمر:
(مُره) أصله أأمره بهمزتين الأولى للوصل مضمومة تبعًا للعين مثل: اقتل والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفًا من جنس حركة سابقتها فتقول أومر فإذا وصل الفعل بما قبله زالت همزة الوصل وسكنت الهمزة الأصلية كما في قوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة}[طه: ٣٢]. لكن استعملها العرب بلا همزة فقالوا: مر لكثرة الدور ولأنهم حذفوا أولًا الهمزة الثانية تخفيفًا ثم حذفوا همزة الوصل استغناء عنها لتحرك ما بعدها وكذا حكم أخذ وأكل أي: مُر ابنك عبد الله (فليراجعها) والأمر للندب عند الشافعية والحنابلة والحنفية. وقال المالكية: وصححه صاحب الهداية من الحنفية للوجوب ويجبر على مراجعتها ما بقي من العدّة شيء. قال ابن القاسم وأشهب وابن الموّاز: يجبر عندنا بالضرب والسجن والتهديد انتهى.
لنا قوله تعالى:{فأمسكوهن بمعروف}[البقرة: ٢٣١] وغيرها من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها فجمع بين الآيات والحديث بحمل الأمر على الندب ولأن الرجعة لاستدراك النكاح وهو غير واجب في الابتداء. قال الإمام: ومع استحباب الرجعة لا نقول إن تركها مكروه، لكن قال في الروضة فيه نظر وينبغي كراهته لصحة الخبر فيه ولدفع الإيذاء ويسقط الاستحباب بدخول الطهر الثاني. وقال ابن دقيق العيد: ويتعلق بالحديث مسألة أصولية وهي