تغلبوا في السبع البواقي. ولمسلم من طريق عتبة بن حريث عن ابن عمر: التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي، وهذا السياق يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع، وظاهر الحديث أن طلبها في السبع مستنده الرؤيا وهو مشكل لأنه إن كان المعنى أنه قيل لكل واحد هي في السبع فشرط التحمل التمييز وهم كانوا نيامًا، وإن كان معناه أن كل واحد رأى الحوادث التي تكون فيها في منامه في السبع فلا يلزم منه أن تكون في السبع كما لو رئيت حوادث القيامة في المنام في ليلة، فإنه لا تكون تلك الليلة محلاً لقيامها.
وأجيب: بأن الاستناد إلى الرؤيا إنما هو من حيث الاستدلال بها على أمر وجودي غير مخالف لقاعدة الاستدلال، والحاصل أن الاستناد إلى الرؤيا هنا في أمر ثبت استحبابه مطلقًا وهو طلب ليلة القدر، وإنما ترجح السبع الأواخر بسبب الرؤى الدالة على كونها في السبع الأواخر وهو استدلال على أمر وجودي لزمه استحباب شرعي مخصوص بالتأكيد بالنسبة إلى هذه الليالي لا أنها ثبت بها حكم، أو أن الاستناد إلى الرؤيا إنما هو من حيث إقراره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها كأحد ما قيل في رؤيا الأذان.
وهذا الحديث أحرجه مسلم في الصوم، والنسائي في الرؤيا.
وبه قال (حدّثنا) بالجمع: ولأبي ذر: وحدثني بواو العطف والتوحيد (معاذ بن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة الزهراني الطفاوي البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سألت أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- (وكان لي صديقًا فقال: اعتكفنا) لم يذكر المسؤول عنه هنا، وفي رواية علي بن المبارك الآتية في باب الاعتكاف سألت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قلت: هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر ليلة القدر؟ قال: نعم اعتكفنا (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشر الأوسط من رمضان) ذكره وكان حقه أن يقول الوسطى بالتأنيث إما باعتبار لفظ العشر من غير نظر إلى مفرداته ولفظه مذكر فيصح وصفه بالأوسط، وإما باعتبار الوقت أو الزمان أي ليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صبيحة عشرين فخطبنا) بفاء التعقيب وظاهر رواية مالك الآتية إن شاء الله تعالى في باب الاعتكاف حيث قال: حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه يخالف ما هنا إذ مقتضاه أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين وهو مغاير لقوله في آخر الحديث: فبصرت عيناي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح يوم إحدى وعشرين فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين، ووقوع المطر في ليلة إحدى وعشرين وهو الموافق لبقية الطرق وعلى هذا فالمراد أي من الصبح الذي قبلها ويكون في إضافة الصبح إليها تجوّز، ويؤيده أن في رواية الباب الذي يليه فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه وهذا في غاية الإيضاح قاله في فتح الباري.
(وقال) عليه الصلاة والسلام: (إني أريت ليلة القدر) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول من الرؤيا أي أعلمت بها أو من الرؤية أي أبصرتها وإنما أرى علامتها وهو السجود في الماء والطين كما في رواية همام عن يحيى في باب السجود في الماء والطين من صفة الصلاة بلفظ: حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تصديق رؤيه (ثم أنسيتها) بضم الهمزة أي أنساه غيره إياها وكذا قوله (أو نسيتها). على رواية ضم النون وتشديد السين وهو الذي في اليونينية وغيرها، وفي بعضها بالفتح والتخفيف أن نسيها هو من غير واسطة والشك من الراوي، والمراد أنه أنسي علم تعيينها في تلك السنة لا رفع وجودها لأنه أمر بالتماسها حيث قال:(فالتمسوها) أي ليلة القدر (في العشر