حبه إياه، ولا تنافي بين محبته إياه والشّدة التي تلحقه في ذلك، (إن علينا جمعه وقرآنه) أي قراءته فهو مصدر مضاف للمفعول والفاعل محذوف والأصل وقراءتك إياه.
وقال الحافظ ابن حجر: ولا منافاة بين قوله يحرك شفتيه وبين قوله في الآية لا تحرك به لسانك، لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق أو الأصل حركة الفم، وكلّ من الحركتين ناشئ عن ذلك وهو مأخوذ من كلام الكرماني، وتعقبه العيني بأن الملازمة بين التحريكين ممنوعة على ما لا يخفى، وتحريك الفم مستبعد بل مستحيل لأن الفم اسم لما يشتمل عليه الشفتان، وعند الإطلاق لا يشتمل على الشفتين ولا على اللسان لا لغة ولا عرفًا بل هو من باب الاكتفاء والتقدير: فكان مما يحرك به شفتيه ولسانه على حد ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أي والبرد، وفي تفسير ابن جرير الطبري كالمؤلف في تفسير سورة القيامة من طريق جرير عن ابن أبي عائشة: ويحرّك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما.
(قال) ابن عباس في تفسير جمعه أي (جمعه) بفتح الميم والعين (لك صدرك) بالرفع على الفاعلية، كذا في أكثر الروايات وهي في اليونينية للأربعة أي جمعه الله في صدرك. وفيه إسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز على حد أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام للتعليل أو
للتبيين، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر جمعه لك صدرك بسكون الميم وضم العين مصدرًا ورفع راء صدرك فاعل به. ولكريمة والحموي مما ليس في اليونينية جمعه لك في صدرك بفتح الجيم وإسكان الميم وزيادة في، وهو يوضح الأوّل. وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر أيضًا مما في الفرع كأصله جمعه له بإسكان الميم، أي جمعه تعالى للقرآن صدرك. وللأصيلي وحده جمعه له في صدر بزيادة في (و) قال ابن عباس أيضًا في تفسير قرآنه أي (تقرأه) بفتح الهمزة في اليونينية.
وقال البيضاوي: إثبات قرآنه في لسانك وهو تعليل للنهي، (فإذا قرأناه) بلسان جبريل عليك (فاتبع قرآنه. قال) ابن عباس في تفسيره فاتبع أي (فاستمع له). ولأبي الوقت فاتبع قرآنه فاستمع له من باب الافتعال المقتضي للسعي في ذلك، أي لا تكون قراءتك مع قراءته بل تابعة لها متأخرة عنها. (وأنصت) بهمزة القطع مفتوحة من أنصت ينصت إنصاتًا، وقد تكسر من نصت ينصت نصتًا إذا سكت. واستمع للحديث، أي تكون حال قراءته ساكتًا. والاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات كما مرّ السكوت، ولا يلزم من السكوت الإصغاء. (ثم إن علينا بيانه) فسره ابن عباس بقوله: (ثم إن علينا أن تقرأه). وفسره غيره ببيان ما أشكل عليك من معانيه.
قال: وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، أي لكن لا عن وقت الحاجة اهـ. وهو الصحيح عند الأصوليين ونص عليه الشافعي لما تقتضيه ثم من التراخي، وأوّل من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب وتبعوه، وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له بظهوره على لسانه فلا. قال الآمدي: يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل. يقال: بان الكوكب إذا ظهر. قال: ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن، والمجمل إنما هو بعضه ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض. وقال أبو الحسين البصري: يجوز أن يراد البيان التفصيلي ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي فلا يتم الاستدلال. وتعقب باحتمال إرادة المعنيين الإظهار والتفصيل وغير ذلك لأن قوله بيانه جنس مضاف، فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة طه: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُه﴾ [طه: ١١٤] فنهاه عن الاستعجال في تلقي الوحي من الملك ومساوقته في القرآن حتى يتم وحيه. (فكان رسول الله ﷺ بعد ذلك إذا أتاه جبريل) ملك الوحي المفضل به على سائر الملائكة (استمع فإذا انطلق جبريل) ﵇ (قرأه النبي ﷺ كما قرأ)