هذا) الذي أوذيت به (فصبر) وذلك أن موسى صلوات الله عليه وسلامه كان حينًا ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة فبرأه الله مما قالوا كما في الحديث السابق في أحاديث الأنبياء.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الزكاة.
٤٣٣٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسًا أَعْطَى الأَقْرَعَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم حنين آثر) بالمد أي خص (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا) بالزيادة في القسمة (أعطى الأقرع) بن حابس المجاشعي أحد المؤلّفة قلوبهم (مائة من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن الفزاري (مثل ذلك وأعطى ناسًا) آخرين من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة على غيرهم (فقال رجل): هو معتب (ما أريد) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بهذه القسمة وجه الله) قال ابن مسعود (فقلت: لأخبرن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقوله فأتيته فأخبرته (قال):
(رحم الله موسى) عليه الصلاة والسلام (قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) لم ينقل أنه عاقبه على ذلك فيحتمل أنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وشهادة واحد لا يراق بها الدم أو أنه لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه لترك العدل في القسمة.
وهذا الحديث سبق في الخُمس.
٤٣٣٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةُ آلَافٍ وَمِنَ الطُّلَقَاءِ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ» قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ». قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فَنَزَلَ فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ
الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ»؟ فَسَكَتُوا فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ» فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا معاذ بن معاذ) التميمي قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك) وسقط ابن مالك لأبي ذر (عن) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان) بالغين المعجمة المفتوحة (وغيرهم بنعمهم وذراريهم) بالذال المعجمة وتشديد التحتية وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبت في القتال استصحاب الأهالي ونقلهم معهم إلى موضع القتال (ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة آلاف من الطلقاء) وسقطت الواو لأبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني والطلقاء بحرف العطف وإسقاط حرف الجر وهي الصواب لأن الطلقاء لم يبلغوا ذلك ولا عُشر عشره. وقال الحافظ ابن حجر كالكرماني والبرماوي، وقيل: إن الواو مقدرة عند من جوّز تقدير حرف العطف. قال العيني: وفيه نظر لا يخفى. (فأدبروا عنه حتى بقي وحده) أي متقدمًا مقبلاً على العدوّ وحده وبهذا التقدير يجمع بين قوله هنا حتى بقي وحده وبين قوله في الروايات الدالة على أنه بقي معه جماعة فالوحدة بالنسبة لمباشرة القتال والذين ثبتوا معه كانوا وراءه وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك. (فنادى) عليه الصلاة والسلام (يومئذ نداءين) بكسر النون الأولى تثنية نداء بالمد (لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال):
(يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك وهو) عليه الصلاة والسلام (على بغلة بيضاء) وفي رواية لمسلم من حديث العباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أي عباس ناد أصحاب الشجرة" وكان العباس صيّتًا قال: فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك يا لبيك. قال: فاقتتلوا والكفار فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال: هذا حين حمي الوطيس (فنزل) عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب، ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود: ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بغلته قدمًا فحادت به بغلته فقال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله. قال: "ناولني كفًا من تراب" فضربه في وجوههم فامتلأت أعينهم ترابًا وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، ويجمع بين الروايتين بأنه أولاً قال لصاحبه: ناولني فناوله فرماهم ثم نزل عن بغلته فأخذ بيده فرماهم أيضًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: