وإن علم بوجوده فيها، ويدل له حديث أبي سعيد المروي عند الطيالسي وصححه ابن حبان مرفوعًا "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو". وفرّق بعضهم بين من يشربها مستحلاًّ لها ومن يشربها عالمًا بتحريمها، فالأوّل لا يشربها أبدًا لأنه لا يدخل الجنة، والثاني هو الذي اختلف فيه فقيل إنه يحرم شربها مدة ولو في حال تعذيبه إن عذب أو المعنى أن ذاك جزاؤه إن جوزي. وقال النووي: قيل يدخل الجنة ويحرم شربها فإنها من فاخر أشربة الجنة فيحرمها هذا العاصي لشربها في الدنيا قيل إنه ينسى شهوتها فيكون هذا نقصًا عظيمًا لحرمانه أشرف نعيم الجنة. وقال القرطبي: لا يبالي بعدم شربها ولا يحسد من يشربها فيكون حاله كحال أهل المنازل في الخفض والرفع فكما لا يشتهي منزلة مَن هو أرفع منه كذلك لا يشتهي الخمر في الجنة وليس ذلك بضار له. وفي الحديث من الفوائد أن التوبة تكفّر المعاصي.
وقد أخرج الحديث مسلم في الأشربة والنسائي فيه وفي الوليمة.
٥٥٧٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ
إِلَيْهِمَا ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَابْنُ الْهَادِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَالزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي) بضم الهمزة (ليلة أسري به) بضم الهمزة أيضًا (بإيلياء) بكسر الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام وفتح التحتية الخفيفة بعدها همزة ممدودًا مدينة بيت المقدس (بقدحين من خمر ولبن فنظر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليهما ثم أخذ اللبن فقال) له: (جبريل) عليه السلام: (الحمد لله الذي هداك للفطرة) أي فطرة الإسلام والاستقامة
(ولو): ضَبّب على الواو الأولى من قوله (ولو)، ابن عساكر
(أخذت الخمر غوت) ضلت (أمتك).
قال في المصابيح: لا يفهم من عدوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إناء الخمر حينئذٍ أن الخمر كانت محرمة، فإن حديث الإسراء كان بمكة وتحريم الخمر بالمدينة، وإنما تفرس فيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها ستحرم فتركها من ذلك الوقت وعدل عنها، ولو كانت محرمة حينئذٍ لم يتصوّر أن يخير بين مباح وحرام لكن قد يقال: إذا كانت مباحة فهي حينئذٍ متساوية لكن الرجحان مناف للإباحة. قال ابن المنير: لا إشكال في افتراق مباحين مشتركين في أصل الإباحة. أحدهما تستمر إباحته والآخر تنقطع. قال الدماميني: فيه نظر إذ هما في حال الإباحة سواء وبعد تحريم أحدهما افترقا فافتراقهما في حال انقطاع إباحة أحدهما لا يقتضي افتراقهما حال ثبوت الإباحة وعدم انقطاعها، وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر: ويحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفر منها لكونه لم يعتد شربها فوافق بطبعه ما سيقع من تحريمها بعد حفظًا من الله له ورعاية واختار اللبن لكونه مألوفًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين سليم العاقبة بخلاف الخمر في جميع ما ذكر.
(تابعه) أي تابع شعيبًا في روايته عن الزهري (معمر) هو ابن راشد فيما وصله المؤلّف في قصة موسى من أحاديث الأنبياء (وابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي الليثي فيما وصله النسائي من طريق الليث عنه عن عبد الوهاب بن بخت عن ابن شهاب (وعثمان بن عمر) بضم العين ابن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي فيما وصله تمام الرازي في فوائده من طريق إبراهيم بن المنذر عن عثمان بن عمر (والزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة وبالدال المهملة المكسورة محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الشامي الحمصي فيما وصله النسائي من طريق محمد بن حرب عنه أربعتهم (عن الزهري) بسنده لكن ليس في موصول معمر ذكر إيلياء وفيه:
اشرب أيهما شئت وكذا رواية الزبيدي.
٥٥٧٧ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ
الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمُهُنَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر وابن عساكر: سمعت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثًا لا