للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتقليب الصرف وسمي قلب الإنسان لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: القلب جزء من البدن خلقه الله وجعله للإنسان محل العلم والكلام وغير ذلك من الصفات الباطنة وجعل ظاهر البدن محل التصرفات الفعلية والقولية ووكل به ملكًا يأمره بالخير وشيطانًا يأمره بالشر فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه والقضاء والقدر مسيطر على الكل والقلب يتقلب بين الخواطر الحسنة والسيئة والمحفوظ من حفظه الله تعالى، وقد تمسك بهذا الحديث من أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله تعالى فحنث ولا نزاع في أصل ذلك، وإنما اختلف في أي صفة تنعقد بها اليمين، والتحقيق أنها مختصة بالصفة التي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب.

والحديث سبق في باب: يحول بين المرء وقلبه.

٦٦٢٩ - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ».

وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(إذا هلك) أي مات (قيصر) وهو هرقل ملك الروم (فلا قيصر بعده) يملك مثل ما ملك (وإذا هلك) أي مات (كسرى) أنوشروان بن هرمز ملك الفرس (فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده) أي بقدرته يصرفها كيف يشاء أو الذي أعبده وهذا موضع الترجمة (لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) عز وجل وفيه علم من أعلام النبوة إذ وقع كما أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

والحديث سبق في الجهاد.

٦٦٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ».

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) في العراق (وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) في الشام وهذا قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوب أصحابه من قريش وتبشيرًا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين لأنهم كانوا يأتونهما للتجارة، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها فأما كسرى فقد مزق الله ملكه بدعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مزق كتابه ولم يبق له بقية وزال ملكه من جميع الأرض، وأما قيصر فإنه لما ورد عليه كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكرمه ووضعه في المسك فدعا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يثبت الله ملكه فثبت ملكه في الروم وانقطع عن الشام (والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) عز وجل بفتح قاف تنفقن أي مالهما المدفون أو الذي جمع وادخر، وقد وقع ذلك كما أخبر الصادق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وقال أهل التاريخ: كان في القصر الأبيض لكسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف ثلاث مرّات غير أن رستم لما مرّ منهزمًا حمل معه نصف ما كان في بيوت الأموال وترك النصف فنقله المسلمون فأصاب الفارس اثني عشر ألفًا.

والحديث سبق في علامات النبوّة.

٦٦٣١ - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً».

وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وبعد المهملة هاء تأنيث ابن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):

(يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم) من أمور الآخرة وشدّة أهوالها وما أعدّ في النار لمن دخلها وما في الجنة من الثواب (لبكيتم) لذلك بكاء (كثيرًا ولضحكتم) ضحكًا (قليلاً) جواب القسم السادّ مسدّ جواب لو لبكيتم الخ وفيه كما في الفتح دلالة على اختصاصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمعارف بصري وقلبية قد يطلع الله تعالى غيره عليها من المخلصين من أمته، لكن بطريق الإجمال وأما تفاصيلها فمما اختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية استحضار العظمة الإلهية على وجه لم يكن لغيره زاده الله تعالى شرفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>