المتضمن للنهي عن العود فيها (وأسقط الزكاة) بعد أن حال عليها
الحول عند الموهوب له ووجوب زكاتها عليه عند الجمهور وأما الرجوع فلا يكون إلا في الهبة للولد.
٦٩٧٥ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ».
واحتج البخاري رحمه الله. بقوله: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) زاد مسلم من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه فيأكله (ليس لنا مثل السوء) بفتح السين أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحواله، وظاهر هذا المثل كما قاله النووي تحريم الرجوع في الهبة بعد القبض وهو محمول على هبة الأجنبي لا ما وهبه لولده، وقال العيني: لم يقل أبو حنيفة هذه المسألة على هذه الصورة بل قال: إن للواهب أن يرجع في هبته إذا كان الموهوب له أجنبيًّا وقد سلمها له لأنه قبل التسليم يجوز مطلقًا واستدلّ لجواز الرجوع بحديث ابن عباس عند الطبراني مرفوعًا: من وهب فيه هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها. وحديث ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم وقال صحيح على شرطهما قال: ولم ينكر أبو حنيفة حديث العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه بل عمل بالحديثين معًا فعمل بالأول في جواز الرجوع، وبالثاني في كراهة الرجوع واستقباحه لا في حرمته وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة.
والحديث سبق في الهبة.
٦٩٧٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشُّفْعَةَ فِى كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِىَ وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِى السَّهْمِ الأَوَّلِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِى بَاقِى الدَّارِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِى ذَلِكَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المعروف بالمسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: وإنما جعل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشفعة) بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وحكي ضمها وهي لغة الضم وشرعًا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض (في كل ما لم يقسم) من العقار وما موصولة بمعنى الذي والصلة جملة لم يقسم والعائد المفعول الذي لم يسم فاعله وهو هنا محذوف أي فيما لم يقسم من العقار كما مر (فإذا وقعت الحدود) جمع حدّ وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة (وصرفت الطرق) بضم الصاد وكسر الراء مشدّدة ومخففة أي بينت مصارفها وشوارعها وجواب فإذا قوله: (فلا شفعة) لأنه صار مقسومًا وخرج عن الشركة فصار في حكم الجوار، والمعنى في الشفعة دفع ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق المصعد والمنور والبالوعة في الحصة الصائرة إليه وظاهره أن لا شفعة للجار لأنه نفى الشفعة في كل مقسوم.
والحديث سبق في البيوع.
(وقال بعض الناس) هو أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- تشرع (الشفعة للجوار) بكسر الجيم المجاورة (ثم عمد) بفتحات أي محمد أبو حنيفة (إلى ما شدّده) بالشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني إلى ما سدده بالسين المهملة أي من إثبات الشفعة للجار كالشريك (فأبطله. وقال: إن اشترى دارًا) أي أراد شراءها كاملة (فخاف أن يأخذها الجار بالشفعة فاشترى) منها (سهمًا) واحدًا شائعًا (من مائة سهم) فيصير شريكًا لمالكها (ثم اشترى الباقي وكان) بالواو وسقطت لأبي ذر (للجار الشفعة في السهم الأول) فيصير أحق بالشفعة من الجار لأن الشريك في المشاع أحق من الجار (ولا شفعة له) أي للجار (في باقي الدار وله) أي للذي اشترى الدار وخاف أن يأخذها الجار (أن يحتال في ذلك) فناقض كلامه لأنه احتج في شفعة الجار بحديث الجار أحق يسقيه ثم تحيل في إسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار وليس فيه شيء من خلاف السنة، لكن المشهور عند الحنفية أن الحيلة المذكورة لأبي يوسف، وأما محمد بن الحسن فقال: يكره ذلك أشدّ الكراهة لما فيه من الضرر لا سيما إن كان بين المشتري والشفيع عداوة ويتضرر بمشاركته.
٦٩٧٧ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِى، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلَا تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِىَ مِنِّى بَيْتِى الَّذِى فِى دَارِى فَقَالَ: لَا أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَمِائَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُنَّ، وَلَوْلَا أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ -أَوْ قَالَ- مَا أَعْطَيْتُكَهُ» قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ مَعْمَرًا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا قَالَ: لَكِنَّهُ قَالَ: لِى هَكَذَا.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ، فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِى الدَّارَ وَيَحُدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ وَيُعَوِّضُهُ الْمُشْتَرِى أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله)