وبه قال:(حدّثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي) وثبت لفظ التبوذكي لأبي ذر قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن وزاد) بفتح الواو والراء المشدّدة (كاتب المغيرة) بن شعبة ومولاه (عن المغيرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال سعد بن عبادة) سيد الخزرج -رضي الله عنه- (لو رأيت رجلاً مع امرأتي) غير محرم لها (لضربته بالسيف غير مصفح) بفتح الصاد والفاء المشدّدة وبسكون الصاد وتخفيف الفاء وهو الذي في اليونينية أي غير ضارب بعرضه بل بحدّه (فبلغ ذلك) الذي قاله سعد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(تعجبون) ولأبي ذر أتعجبون (من غيرة سعد والله) مجرور بواو القسم (لأنا) مبتدأ دخلت عليه لام التأكيد المفتوحة خبره (أغير منه والله أغير مني) مبتدأ وخبر. قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكتون عن التأويل وإما مؤوّلون، والثاني يقول المراد بالغيرة المنع من الشيء والحماية وهما من لوازم الغيرة فأطلقت على سبيل المجاز كالملازمة وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب، فالمراد الزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها وقد بيّن ذلك بقوله (ومن أجل غيرة الله) عز وجل (حرم الفواحش) جمع فاحشة وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال (ما ظهر منها) كنكاح الجاهلية الأمهات (وما بطن) كالزنا (ولا أحد أحب) بالرفع خبر لا، ولأبي ذر
ولا أحد بالرفع منوّنًا أحب (إليه العذر من الله) برفع أحب أيضًا في الفرع كأصله أو بالنصب خبر لا على الحجازية والعذر رفع فاعل أحب والعذر الحجة (ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين) بكسر الشين والذال المعجمتين أي بعث الرسل لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة وفي غير رواية أبي ذر تقديم المنذرين على المبشرين، وفي مسلم بعث المرسلين مبشرين ومنذرين (ولا أحد أحب إليه المدحة) بكسر الميم وسكون الدال المهملة مرفوع فاعل أحب والمدح الثناء بذكر أوصاف الكمال والإفضال (من الله) عز وجل (ومن أجل ذلك وعد الله الجنة) من أطاعه وحذف أحد مفعولي وعد وهو من أطاعه للعلم به. قال القرطبي: ذكر المدح مقرونًا بالغيرة والعذر بينهما لسعد على أن لا يعمل بمقتضى غيرته ولا يعجل بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب فينال كمال الثناء والمدح والثواب لإيثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها وهو نحو قوله الشديد من يملك نفسه عند الغضب وهو حديث صحيح متفق عليه.
(وقال عبيد الله) بضم العين (ابن عمرو) بفتحها ابن أبي الوليد الأسدي مولاهم الرقي فيما وصله الدارمي عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو (عن عبد الملك) بن عمير بن سويد الكوفي عن وراد مولى المغيرة عن المغيرة قال: يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا شخص أغير من الله).
قال الخطابي: إطلاق الشخص في صفات الله عز وجل غير جائز لأن الشخص لا يكون إلا جسمًا مؤلفًا فخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفًا من الراوي ودليل أن أبا عوانة روى هذا الحديث عن عبد الملك يعني في هذا الباب فلم يذكرها فمن لم يمعن في الاستماع لم يأمن الوهم وليس كل الرواة يراعي لفظ الحديث حتى لا يتعداه بل كثير منهم يحدّث بالمعنى وليس كلهم فهمًا بل في كلام بعضهم جفاء وتعجرف، فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل إن لم يكن غلطًا من قبيل التصحيف يعني السمعي قال: ثم إن عبد الله بن عمرو انفرد عن عبد الملك ولم يتابع عليه واعتوره الفساد من هذه الوجوه اهـ.
وقال ابن فورك: لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند والإجماع على المنع منه لأن معناه الجسم المركب، وكذا قال نحوه الداودي والقرطبي وطعنهم في السند بنوه على تفرد عبيد الله بن عمرو به وليس كذلك، فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن عمر القواريري وأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثلاثتهم عن أبي عوانة الوضاح بالسند الذي أخرجه به البخاري