والسلام حتى بلغوا الروحاء وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلاً فأخبروه أن عدوًّا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غزوه، (فصرف) عليه الصلاة والسلام (طائفة منهم) بنصب طائفة مفعول به والطائفة من الشيء القطعة منه قال تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور: ٢] قال ابن عباس: الواحد فما فوقه. وقد استدل الإمام فخر الدين ومن تبعه من الأصوليين على وجوب العمل بخبر الواحد بقوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}[التوبة: ١٢٢] قالوا: فإن الفرقة تطلق على ثلاثة والطائفة إما واحد أو اثنان. واستشكل بعضهم إطلاق الطائفة على الواحد لبعده عن الذهن (فيهم) أي في الذين صرفهم عليه الصلاة والسلام (أبو قتادة) الأصل أن يقول وأنا فيهم فهو من باب التجريد لا يقال أنه من قول ابن أبي قتادة لأن حينئذ يكون الحديث مرسلاً. (فقال): عليه الصلاة والسلام:
(خذوا ساحل البحر) أي شاطئه قال في القاموس: مقلوب لأن الماء سحله وكان القياس مسحولاً أو معناه ذو ساحل من الماء إذا ارتفع المدّ ثم جزر فجرف ما عليه ((حتى نلتقي) فأخذوا ساحل البحر) لكشف أمر العدوّ (فلما انصرفوا) من الساحل بعد أن أمنوا من العدو وكانوا قد (أحرموا كلهم) من الميقات (إلا أبو قتادة) بالرفع مبتدأ خبره (لم يحرم) وإلا بمعنى لكن وهي من الجمل التي لها محل من الإعراب وهي المستثناة نحو {لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر}[الغاشية: ٢٢ - ٢٤] قال ابن خروف: "من" مبتدأ، ويعذبه الله الخبر والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع. قال في التوضيح: وهذا مما أغفلوه ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع وهو المستثنى بألا من كلام قام موجب إلا النصب قال: وللكوفيين في
مثله مذهب آخر وهو: أن ألا حرف عطف وما بعدها عطف على ما قبلها، ولأبي ذر عن الكشميهني: إلا أبا قتادة بالنصب وهو واضح.
(فبينما هم) بالميم قبل الألف (يسيرون إذ رأوا حمر وحش) بضم الحاء والميم جمع حمار، وفي نسخة: حمار وحش (فحمل أبو قتادة على الحمر) بضمتين أيضًا جمع حمار (فعقر منها) أي قتل من الحمر المرئية (أتانًا) أنثى وجمع الحمر هنا لا ينافي الرواية الأخرى بالإفراد لجواز أنهم رأوا حمرًا وفيهم واحد يقرب من غيره لاصطياده لكن قوله هنا: أتانا ينافي قوله حمارًا في الأخرى، وقد يجاب بأنه أطلق الحمار على الأنثى مجازًا أو أنه يطلق على الذكر والأنثى (فنزلوا) عن مركوبهم (فأكلوا من لحمها) أي الأتان (وقالوا) بواو العطف، ولأبي الوقت: فقالوا بفائه بعد أن أكلوا من لحمها (أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟) الواو للحال قال أبو قتادة: (فحملنا ما بقي من لحم الأتان). وعند المؤلّف في الهبة من رواية أبي حازم فرحنا وخبأت العضد معي، (فلما أتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قالوا) ولأبي الوقت: فقالوا: (يا رسول الله إنا كنا أحرمنا وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش) جمع حمار (فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها. قال): بغير فاء.
(أمنكم) بهمزة الاستفهام لأبي ذر، وفي رواية ابن عساكر: منكم بإسقاطها (أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها)؟ ولمسلم من طريق شعبة عن عثمان: هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم؟ (قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي من لحمها) وصيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابًا عن سؤالهم عن الجواز، ولم يذكر في هذه الرواية أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل منها، لكن في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرّقها وفي الجهاد قال: معنا رجلها فأخذها فأكلها، وفي رواية المطلب قد رفعنا لك الذراع فأكل منها، وفي رواية صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال: كلوا وأطعموني، ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة ذكر شأنه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنه إنما اصطاده له قال: فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه فأكلوا ولم يأكل حين أخبرته أني اصطدته له. قال ابن خزيمة: