وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر. وقرأت في كتاب المعرفة قال أبو بكر: يعني البيهقي قوله اصطدته لك، وقوله: ولم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر، وأجاب النووي في شرح المهذّب: بأنه يحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين.
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم تكن منه دلالة ولا إشارة، واختلف في أكل المحرم لحم الصيد فمذهب مالك والشافعي أنه ممنوع إن صاده أو صيد لأجله سواء كان بإذنه أو بغير إذنه لحديث جابر مرفوعًا: "لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدوهُ أو يصاد لكم" رواه أبو داود والترمذي والنسائي. وعبارة الشيخ خليل في مختصره وما صاده محرم أو صيد له ميتة. قال شارحه أي فلا يأكله حلال ولا حرام.
وقال المرداوي من الحنابلة في كتاب الإنصاف له: ويحرم ما صيد لأجله على الصحيح من المذهب نقله الجماعة عن أحمد وعليه الأصحاب قال: وفي الانتصار احتمال بجواز أكل ما صيد لأجله.
وقال صاحب الهداية من الحنفية: ولا بأس أن يأكل المحرم صيد اصطاده حلال وذبحه له إذا لم يدله المحرم عليه ولا أمره بصيده خلافًا لمالك -رحمه الله- فيما إذا اصطاده لأجل المحرم يعني بغير أمره له أي لمالك -رضي الله عنه- قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد ما لم يصده أو يصاد له.
ولنا: ما روي أن الصحابة -رضي الله عنهم- تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم فقال عليه الصلاة والسلام: لا بأس به، واللام فيما روي لام تمليك فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم أو يصاد بأمره.
قال في فتح القدير: أما إذا اصطاد الحلال للمحرم صيدًا بأمره فاختلف فيه عندنا فذكر الطحاوي تحريمه على المحرم، وقال الجرجاني: لا يحرم.
وأما الحديث الذي استدلّ به لمالك فهو حديث جابر عند أبي داود والترمذي، والنسائي لحم الصيد حلال لكم وأنتم حرم وقد سبق قريبًا قال: وقد عارضه المصنف ثم أوله دفعًا للمعارضة بكون اللام للملك، والمعنى أن يصاد بأمره وهذا لأن الغالب في عمل الإنسان لغيره أن يكون بطلب منه فليكن محمله هذا دفعًا للمعارضة، والأولى في الاستدلال على أصل المطلوب بحديث أبي قتادة على وجه المعارضة على ما في الصحيحين فإنهم لما سألوه عليه الصلاة والسلام لم يجب بحله لهم حتى سألهم عن موانع الحل أكانت موجودة أم لا: فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها"؟ قالوا: لا. قال: "فكلوا إذن" فلو كان من الموانع أن يصطاد لهم لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها في التفحص عن الموانع ليجيب بالحكم عند خلوه عنها، وهذا المعنى كالصريح في نفي كون الاصطياد للمحرم مانعًا فيعارض حديث جابر ويقدم عليه لقوة ثبوته إذ هو في الصحيحين وغيرهما من الكتب الستة. بل في حديث جابر لحم الصيد الخ انقطاع لأن المطلب بن حنطب لم يسمع من جابر عند غير واحد وكذا في رجاله من فيه لين. اهـ.
ولا جزاء عليه بدلالة ولا بإعانة ولا بأكله ما صيد له عند الشافعية لأن الجزاء تعلق بالقتل والدلالة ليست بقتل فأشبهت دلالة الحلال حلالاً وقالت الحنفية: إذا قتل المحرم صيدًا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء أما القتل فلقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] الآية. وأما الدلالة فلحديث أبي قتادة.
قال العلامة ابن الهمام: وليس في حديث أبي قتادة هل دللتم؟ بل قال عليه الصلاة والسلام: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي. وجه الاستدلال به على هذا أنه علق الحل على عدم الإشارة وهي تحصل الدلالة بغير اللسان فأحرى أن لا يحل إذا دله
باللفظ فقال هذاك صيد ونحوه. قالوا: الثابت بالحديث حرمة اللحم على المحرم إذا دل. قلنا: فثبت أن الدلالة من محظورات الإحرام بطريق الالتزام لحرمة اللحم فثبت أنه محظور إحرام هو جناية على الصيد، فنقول حينئذ: جناية على الصيد بتفويت الأمن على وجه اتصل قتله عنها ففيه الجزاء كالقتل وهذا هو القياس ولا يحسن عطفه على الحديث لأن الحديث لم يثبت الحكم المتنازع فيه وهو وجوب الكفارة بل محل الحكم ثم ثبوت الوجوب