[شرح حديث: (أي الكلام أفضل)]
قال: [حدثنا زهير بن حرب - أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- حدثنا حبان بن هلال -بفتح الحاء، وهو أبو حبيب البصري - حدثنا وهيب -وهو ابن خالد بن عجلان البصري - حدثنا سعيد الجريري -وهو سعيد بن إياس أبو مسعود البصري - عن أبي عبد الله الجِسري -وهو إما بفتح الجيم أو كسرها- واسمه حمير بن بشير، وهو مشهور بكنيته ونسبته دون اسمه، عن ابن الصامت -وهو عبد الله بن الصامت - عن أبي ذر الغفاري].
وعبد الله بن الصامت غفاري من غفار، وهي قرية من قرى الشام، وكذلك أبو ذر، وكان أبو ذر من أئمة الشام في زمانه.
[أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: (أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده)] أي: أفضل الكلام هو الذي اصطفاه الله تعالى لملائكته أو لعباده، وهو سبحان الله وبحمده، وبلا شك أنه لو تلا القرآن فالقرآن خير وأحب إلى الله تعالى؛ لأنه كلامه سبحانه وتعالى.
إذاً: فقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن أحب الكلام إلى الله؟ قال: (ما اصطفاه الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده) محمول على كلام العبد.
يعني: أعظم وأفضل كلام يتكلم به العبد من عند نفسه التسبيح والتهليل لله عز وجل، وأن يقول: سبحان الله وبحمده، ولكن لو قرأ القرآن لكان أفضل.
والرأي الثاني: أن قراءة القرآن مطلوب التعبد بها وتلاوتها في أوقات معينة، أو في أوقات مخصوصة، وأما تنزيه العبد لربه وتسبيحه وتحميده فذلك في كل وقت، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣].
فالصلاة لها وقت، وهو أحب الأوقات إلى الله عز وجل.
وقد أخرج أبو داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر).
لأن هذا وقتها.
والعمل المباح ربما يكون واجباً، فالعمل للتكسب والمعاش وغيرهما مباح، وربما يكون واجباً، وهو بلا شك واجب إذا قورن بضياع النفس ومن يعول.
ومع اعتقادنا بأن العمل مشروع ومباح وربما يكون واجباً لكن وجوب العمل لا يدعو إلى ترك الصلاة، فإذا سمع النداء فلا بد أن يعلم أن ما بعد النداء تابع لعبادة أخرى، فلا بد أن نفرق بين العبادات، فوقت عبادة العمل تنتهي بدخول الوقت في الصلاة، وإذا فرغنا من الصلاة دخلنا في عبادة أخرى، وهي العمل، فلكل وقته، ولذلك قال الإمام النووي: (أما قوله: (أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده)، وفي رواية: (أفضل الكلام) هذا محمول على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل).
يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام سن لنا في أدبار الصلوات أدعية لندعو بها، فالأفضل في هذا الوقت أن ندعو بهذه الأدعية؛ لأن هذا وقتها الذي شرعت له.
قال: (وكذلك كل ما عين له الشرع وقتاً أو حالاً معيناً).
وكذلك أذكار الصباح، فإذا فرغت من أذكار الصباح فاقرأ القرآن، ولا تقدم القرآن على أذكار الصباح؛ لأن هذا وقتها أيضاً.