[شرح حديث بريدة بن الحصيب في رجم الغامدية]
قال: [(ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد -والأزد: هو بطن من غامد- فقالت: يا رسول الله! طهرني.
فقال: ويحكِ! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه.
فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك)] أي: بالأمس أتاك ماعز فقال: إني زنيت فأعرضت عنه، ثم أتاك فقال: إني زنيت فأعرضت عنه أربع مرات، وكأني يا رسول الله! أشعر أنك تفعل معي اليوم ما فعلت مع ماعز بالأمس، فأرجو ألا يكون هذا منك.
ومعنى كلامها: أنها زنت، وأنها تعلم معنى الزنا، وكأنها تقول: وعلامة ذلك يا رسول الله! أني حبلى من الزنا فطهرني، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: [(ويحكِ! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه.
فقالت: تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك.
قال: وما ذاك؟)] هنا شبهة وهي: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أتت هذه المرأة وقالت: (يا رسول الله! أذنبت ذنباً فطهرني، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ويحكِ، ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه) رب قائل يقول: هذه المرأة أتت إليه مذنبة والنبي عليه الصلاة والسلام هو المسئول الأول في زمنه عن إقامة الحد ومع هذا قال لها: (ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه) وليس في هذا الحديث عند التحقيق شبهة؛ لأن هذه المرأة لما أتت وقالت: يا رسول الله! طهرني، لم تبين نوع ذنبها ولم تقل: إني زنيت، أو إني فجرت أو سرقت أو غصبت أو شيء مما رتب الله عز وجل عليه حداً في كتابه، أو رتب عليه نبيه حداً في سنته، وإنما قالت: (يا رسول الله! إني أذنبت ذنباً فطهرني) والمعلوم أن الطهارة من الذنب تكون في الكبائر والصغائر، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أمرها على أحسن المحامل، وأنها ما وقعت في كبيرة وإنما وقعت في صغيرة؛ فأرادت أن تتطهر من ذنبها حتى وإن كان صغيراً؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ويحكِ! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه) قبل أن يعلم شيئاً، فلما قالت له: (يا رسول الله! أراك تردني كما رددت ماعز بن مالك.
فقال: وما ذاك؟) أي: وما هذا الذنب الذي تريدين أن تتطهري منه.
قال: [(قالت: إني حبلى من الزنا)] هنا أول إعلام للنبي صلى الله عليه وسلم بنوع الذنب.
قال: [(فقال: أأنتِ -يعني: أأنتِ التي وقعتِ في الزنا- قالت: نعم.
فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك)] أي: لا أقيم عليكِ الحد حتى تضعي ما في بطنكِ.
قال: [(فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت -كفلها أي: قام على حاجتها، واستوصى بها خيراً- فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية)] هذا الكفيل الذي كفل المرأة هو الذي أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! المرأة التي كفلتها وضعت حملها.
قال: [فقال: (إذاً: لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه)] المرة الأولى امتنع عن إقامة الحد لوجود الحمل؛ لأنه لو أقام عليها الحد وهي حامل ربما قتل جنينها بغير جريرة ارتكبها، ثم من الشفقة -أي: شفقة الإسلام على الرضيع- أن نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن إقامة الحد على المرضع إلا أن تجد مرضعاً أخرى ترضع هذا الرضيع، لذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: [(إذاً: لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله! قال: فرجمها)] يعني: أنا يا رسول الله! أتكفل برضاعه، فرجمها النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير - وتقاربا في لفظ الحديث - قال ابن نمير: حدثنا أبي حدثنا بشير بن المهاجر قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب: (أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني.
فرده، فلما كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله! إني قد زنيت.
فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً؟ -أي: هل هو مجنون أو سكران؟ - فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل -أي: عقله كامل لا بأس به، ليس مجنوناً- من صالحينا فيما نرى)] أي: الذي نظنه أنه من أهل الصلاح والتقوى.
قال: [(فأتاه -أي: ماعز - الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم.
قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله! إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها -عليه الصلاة والسلام- فلما كان الغد قالت: يا رسول الله! لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماع