للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الإرادة]

والإرادة إرادتان، الأولى: الإرادة الدينية الشرعية وهي المتضمنة للمحبة والرضا، وهي المتضمنة لما أمر الله عز وجل به وشرعه على عباده، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٧].

فهذه إرادة شرعية؛ لأن إرادة التوبة إرادة شرعية.

وقال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥].

وإرادة العسر إرادة قدرية كونية، وأما إرادة اليسر فهي إرادة شرعية دينية.

والثانية: الإرادة الكونية القدرية، وهي تستلزم وقوع المراد، أي: لابد أن تقع كما أراد الله عز وجل؛ لأنه لا يمكن أن يقع في ملك الله ما لا يريده الله عز وجل، والإرادة المطلقة متضمنة للإرادة الكونية والإرادة الشرعية في الوقت نفسه.

قال: ولا تستلزم المحبة، يعني: الإرادة الكونية القدرية تستلزم وقوع المراد ولا تستلزم محبة المراد، أي: ولا تستلزم محبة الفعل، فمثلاً: لا يمكن للعبد أن يزني إذا لم يقدر الله عليه ذلك، ولا يمكن أن يقع في ملك الله ما لا يريده حتى الكفر نفسه، ومن قال بذلك فهو كافر، والله عز وجل لا يحب الكفر، ولا يرضاه لعباده.

فالإرادة الكونية القدرية لا تعلق لها بالرضا، بخلاف الإرادة الشرعية فلها تعلق بالرضا والمحبة، فلو أن العبد أطاع وآمن فقد وافق إرادة الله الشرعية المتضمنة والمستلزمة لمحبته ورضاه، وأما إذا اختار الكفر على الإيمان فقد وافق إرادة الله القدرية الكونية التي لا تستلزم محبة الله عز وجل ورضاه، بل تستجلب سخطه وغضبه سبحانه وتعالى.

قال: الإرادة الكونية القدرية تستلزم وقوع المراد، ولا تستلزم محبته، فيدخل فيها إرادة الإيمان والكفر وغيرهما، وأما الإرادة الثانية فلا تستلزم وقوع المراد وتستلزم محبته، وهي الإرادة الشرعية.

وهذا يفسر لنا قول الذي يقول حينما يشاهد رجلاً يقترف معصية: هذا يفعل ما لا يريده الله ولا يرضاه.

ولو رأيت شخصاً يسرق مثلاً فقلت له: يا فلان! إن الله تعالى لا يريد هذا ولا يرضاه ولا يحبه، فمعنى كلامك: أن الله تعالى لا يريد هذا إرادة شرعية، ولكنه أراده إرادة كونية؛ لأنه لا يقع في ملكه إلا ما يريد، أي لا يريده إرادة شرعية دينية، وهي المتعلقة بالمحبة والرضا؛ لأن الله لا يحب الفساد، وإن كان الله تعالى أراده إرادة كونية قدرية؛ لأنه لا يكون ولا يقع إلا ما يريد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

والله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فيهدي من يشاء هداية شرعية دينية، ويضل من يشاء ضلالاً قدرياً كونيناً، كما جاء في القرآن الكريم: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل:٩٣]، أي: أراد الهداية والضلال إرادة عامة كونية قدرية، وهو لا يريد الضلال ديناً وشرعاً، وإنما يريد الهداية ديناً وشرعاً؛ لأن الهدى متعلق بالإرادة الشرعية، والضلال متعلق بالإرادة الكونية القدرية.