[حكم انعقاد الولاية لغير الله ورسوله ولغير الخليفة العام]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فقد بيّنا في الدرس الماضي ما يتعلق بواقع الأمة اليوم، وأن هذه الإمارات الحادثة على الساحة الدعوية إنما هي إمارات خاصة وليست إمارات عامة، أما الإمارة العامة فالمقصود: بها الخلافة العظمى.
وهذه لا يجوز انعقادها بشروطها وأركانها وموجباتها إلا للخليفة العام.
وأن من بايع إمام جماعته أو أمير جماعته على أنه إمام عام وعقد له البيعة بنفس أركان وشروط الإمارة العامة والخلافة العامة، فقد أجرم جرماً عظيماً في حق النصوص الشرعية الواردة في شأن الإمارة؛ لأنه يلزمه أن يقول بتعدد الإمارات بأنواعها وليس الأمر كذلك، كما يلزمه أن يكفر بلسان الحال أو المقال من لم يبايع، كما يلزمه كذلك لحوق الإثم والثواب في الطاعة والمعصية لهذا الأمير، وليس الأمر كذلك فيما يتعلق بما يرضي الله، وإن صحّت هذه الإمارات فهي لا تعدو كونها إمارات أو بيعات على البر والتقوى، ولا يلزمه فيها طاعة، وإذا لزمته طاعة لزمته من باب أن هذا عمل مشروع أوجبه الشرع أو ندب إليه، كما لا يلحق الإثم -أي: إثم مخالفة الأمير- لأن إمارته غير شرعية، فليست هي الإمارة التي يناط بها الثواب والعقاب في الطاعة والمعصية، وإذا كان ثم معصية أو عقاب فإنما الثواب والعقاب بالشرع لا بالبيعة، كما لو أن فلاناً من الناس مسئولاً عن هذا المسجد، قال: تأتي تخطب عندنا الجمعة؟ قلت له: نعم.
آتي.
قال: اتفقنا؟ قلت: اتفقنا، ثم تخلّفت عن خطبة الجمعة بلا عذر فإني آثم بتأثيم الشرع لي، وكان الاتفاق من باب قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢].
فنحن لا نقول بجواز إنشاء هذه البيعات الدعوية على الساحة أبداً؛ لأنها ليست بمشروعة لا في الكتاب ولا في السنة ابتداءً.
هذا أولاً.
ثانياً: لأن عقد البيعة لآحاد الناس بغير برهان ولا بيّنة ولا دليل شرعي يُضعف الولاء دائماً لله عز وجل، ولذلك هؤلاء الذين بايعوا أو عندهم انتماء لجماعات دعوية دائماً يعتنون بالجماعة فقط -إلا من رحم الله- ودائماً يعتنون بإمامهم وأميرهم؛ ولذلك لو جاء القول الصريح في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام مخالفاً لهذا الإمام أو لهذا الأمير عملت الجماعة بقول الأمير وضربوا بكلام الله وكلام رسوله عرض الحائط؛ زعماً منهم أن كلام الله وكلام الرسول على رءوسنا، وملء قلوبنا وأعيننا ولكن هذا الكلام لا يناسب الواقع، وإنما هذا حكم شرعي، أما قول الإمام فهو فتوى شرعية وليس حكماً شرعياً، فنحن إذا تركنا كتاب الله إنما نتركه لفتوى شرعية، وهي فتوى الإمام أو المسئول أو الأمير، وإذا عملنا بكتاب الله؛ عملنا به أنه الأصل، وهو أصل الأحكام.
نقول: كل هذا محاورة ومناورة مع كتاب الله عز وجل ولا يصلح ذلك ولا ينتفع بها صاحبها لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأبى الله تعالى إلا أن يفضح الظالمون المارقون عن فهم كتاب الله عز وجل وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك فضح الله تعالى كل الجماعات على ملأ من الخلق، بأن صنّفت فيهم التصانيف، وكثير منهم زعم أنه تاب وأثبت أنه تاب منذ (٢٥) عاماً أو يزيد على ذلك.
أبعد هذه الدعوة كلها وبعد هذا الفساد الذي أفسدت في الأرض أنت ومن معك تأتي اليوم بعد ضياع الوقت وتقول: أنا تبت إلى الله؟! على أية حال هذا أصل من أصول الدين، وهو قبول التوبة ما لم يغرغر العبد، والقول الذي قلته اليوم كنت تسمعه نصيحة خالصة منذ أن نشأت بدعتك، ولكنك صممت أذنك، وصككت على قلبك فلم تسمع كلام الحق أبداً.
والحق دائماً أبلج واضح، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل).
فالإمارة لا يجوز انعقادها إلا لله تعالى ورسوله، ثم من ولاَّه الله تعالى، إلى يوم القيامة، وهو الخليفة العام الذي يعين الولاية من باطنه، ويعيّن ولاة الأمصار والبلدان من باطنه، فيجب طاعة هؤلاء؛ لأن طاعة الوالي من طاعة الخليفة وطاعة الخليفة من طاعة النبي عليه الصلاة والسلام وهي من طاعة الله عز وجل، وما دون ذلك فخرط القتاد.