للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرط الأول: أن يكون مما يتمول ويملك]

أولاً: أن يكون مما يتمول ويملك.

ومعنى متمول: أي: له قيمة مالية محترمة في الشرع، فهناك مال ليس محترماً في الشرع، كالخمر والخنزير والكلب وثمن البغي والطنبور وآلات المعازف والموسيقى، كلها أموال غير محترمة، فلو أنك سرقت زجاجة خمر من نصراني أو يهودي وكسرتها وأرقت ما فيها، وطالبك الذمي بدفع قيمة هذا الخمر، فهل يجوز للقاضي أن يحكم عليك بذلك؟

الجواب

لا؛ لأن هذا المال مال غير متمول وغير متقوم، كما أنه لا يمثل نسبة مالية في الإسلام، وإن كان يتكلف في الصناعة، لكنها في الشرع ليست بفلس واحد ولا تساوي شيئاً؛ لأنها مال قد حرمه الإسلام.

كما يجب أن يكون هذا المال مما يحل بيعه، فالخنزير لا يحل بيعه، حتى في دين النصارى لم يصح الإذن لهم بأكل الخنزير، وكذلك الكلب لا يجوز بيعه باتفاق، ولكن يجوز اقتناء كلب الصيد أو الحراسة أو الماشية، فالاقتناء شيء وشراء الكلب المأذون فيه شيء آخر، فلا يحل لأحد أن يبيع الكلب المأذون فيه شرعاً، فكلب الحرث والصيد والماشية يجوز اتخاذه واقتناؤه، ولكن لا يجوز شراؤه، فشراء الكلاب شيء، والإذن باتخاذ بعض أنواع الكلاب شيء آخر.

قال أشهب من المالكية: يقطع سارق الكلب المأذون باتخاذه، ولا يقطع في كلب آخر.

وقال أصبغ من المالكية في لحوم الضحايا: إن سرق الأضحية قبل الذبح قطع، وإن سرقها بعد الذبح لا يقطع.

هذا كلام جميل جداً له مخارج، يريد أن يقول لك: أن سارق الأضحية قبل الذبح كالبهيمة أو الشاة أو البقرة أو الناقة تقطع يده؛ لأنه سرق الحيوان، وإذا سرقها بعد الذبح لحماً فإنه لا يقطع لوجود الشبهة، والشبهة هي أن ثلث الأضحية سيوزع على الفقراء، والثلث الثاني هدايا للأغنياء، فهذا السارق قد يعتبر نفسه من الأغنياء الذين لهم حق في الهدايا أو من الفقراء الذين لهم حق في الصدقة؛ فلا يقطع لوجود الشبهة.

وأما سرقة الماء والثلج والكلأ، فأنتم تعلمون أن الناس شركاء في الماء والثلج والكلأ؛ لأن هذه من الأموال العامة، ولكن للأسف الشديد تغير الزمان على البشر، حتى صاروا يبيعون الماء لبعضهم وبأغلى الأسعار، مع أن هذه أيها الإخوة من مسائل المروءات، وكذلك الهواء، فقد كان أصحاب إطارات السيارات وغيرهم عندما تعطيه مالاً مقابل نفخ الإطار يقول لك: أعوذ بالله! من الذي قال لك: أننا نبيع الهواء؟ إنه حق الله.

والآن الحكومة تبيع لك الماء والنور والهواء، فالماء بلترات معينة ولابد أن تدفع وإلا سيقطعون عليك الماء بواسطة العداد، بل حتى بعد قطع العداد لابد من الدفع.

أقول: فهل سرقة الماء والثلج والكلأ والملح والتراب فيها قطع؟ قال صاحب المغني ابن قدامة: وإن سرق ماء فلا قطع فيه؛ لأنه مما لا يتمول عادة.

قال: ولا أعلم في هذا خلافاً.

فالماء ليس له قيمة مالية معتبرة في الشرع؛ لأن الشرع جعل الخلق جميعاً المؤمن والكافر سواء في حقهم بالانتفاع بالماء، ومادام أن المسألة استقرت عرفاً صار هذا من المال العام الذي لا يحل أخذه إلا أن ينم ذلك عن سوء معتقد الآخذ.

إذاً: من الشروط التي يجب اعتبارها في المال المسروق: أن يكون مما يتمول ويملك ويحل بيعه وأخذه، بخلاف الخمر والخنزير، حتى لو كان المالك غير مسلم؛ لأن الله حرم ملكيتهما والانتفاع بهما، والمسلم والذمي على السواء.

وكذلك لا قطع على سرقة أدوات لا يجوز استعمالها عند عامة أهل العلم.