[اختلاف أقوال العلماء في عقيدة الإمام النووي رحمه الله]
فنقول مستعينين بالله عز وجل في عقيدة الإمام النووي: إن العلماء وأهل العلم اختلفوا فيها، فاضطرب المترجمون للإمام النووي قديماً وحديثاً، فمنهم من نسبه للعقيدة السلفية، ومنهم من نسبه إلى عقيدة الخلفية، وهي عقيدة الأشاعرة.
وأريد أن أنبه بادئ ذي بدءٍ أن الدراسات الأكاديمية في هذه البلاد وفي كثير من بلدان المسلمين يعدون عقيدة الأشعريين وعقيدة الماتريدية أتباع المنصور الماتريدي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذا الكلام فيه تخبيط وخلط وخطأ عظيم وفاحش، أما عقيدة أهل السنة والجماعة فهي ما كان عليه الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، والتابعون كذلك والأئمة المتبوعون باعتبار كلام خفيف للإمام أبي حنيفة عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
فعقيدة الأشاعرة والماتريدية ليست هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وإلا فالأزهر في هذا البلد، والدراسات الأكاديمية والإسلامية واللغوية في الجامعات كجامعة القاهرة وعين شمس يعدون العقيدة الأشعرية والعقيدة الماتريدية هي عقيدة أهل السنة، فأريد أن أنبه على هذه المسألة قبل أن ننطلق في الكلام على عقيدة السلف وعقيدة الخلف.
فالإمام النووي عليه رحمة الله تبارك وتعالى حينما وقع فيما وقع فيه من تأويل وصرف النصوص عن ظاهرها، نسبه كثير من المتقدمين والمتأخرين إلى العقيدة السلفية تارة وإلى العقيدة الخلفية -وهي عقيدة الأشعرية والماتريدية- تارة أخرى، ولكن الإمام الذهبي يقول في كتاب تاريخ الإسلام في ترجمة الإمام النووي: إن مذهبه في الصفات السمعية السكوت، أي: كان يذهب إلى السكوت في الصفات السمعية وإمرارها كما جاءت، وربما تأول قليلاً في شرح مسلم، أي ربما تعرض لتأويل الصفات في شرح مسلم.
والسخاوي عليه رحمة الله نقل في ترجمته، وتعقبه بقوله: كذا قال.
أي: الإمام الذهبي، والتأويل كثير في كلامه، أي: ليس قليلاً وإنما هو كثير.
ونقل السخاوي قبل ذلك عن بعض مترجميه أنه وصفه بأنه أشعري.
هذا وصف صريح وصحيح بأنه أشعري، فقال في صفحة (٣٦): وصرّح اليافعي والتاج السبكي رحمهم الله تعالى أنه أشعري.
وقال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين.
فالذي يقرأ هذه المقولة يتصور أن الإمام النووي إنما كان يسلك مسلك السلف، ولكن هذا القول الذي قاله هو الإمام السبكي، والإمام السبكي أشعري كذلك.
فكل مذهب يعد نفسه أنه هو مذهب السلف، فالأشاعرة يقولون: نحن سلفيون، والماتريدية يقولون: نحن سلفيون.
فكل يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك فهذا كلام من الإمام السبكي إذا قاله في حق الإمام النووي، فإنما ينسبه إلى الأشعرية.
وقال: وله الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة.
هكذا يقول عن الأشعريين أنهم أهل السنة والجماعة، وكما اضطرب الأقدمون أيضاً في نسبة الإمام النووي إلى أي العقائد، فكذلك اضطرب المحققون والمطلعون والباحثون المعاصرون، فمنهم من وصفه بأنه كان سلفياً في اعتقاده، لكنه يؤول أحياناً إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
ومنهم من وصفه بأنه له أغلاط في الصفات، سلك مسلك المؤولين وأخطأ في ذلك، فلا يقتدى به في ذلك، بل الواجب التمسك بقول أهل السنة، وهو إثبات الأسماء والصفات الواردة في الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة المطهرة، والإيمان بذلك على الوجه اللائق بالله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ عملاً بقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، وما جاء في الآيات والأحاديث كثير يثبت عقيدة السلف.
ومنهم من قال عنه: لا يصح اعتباره أشعرياً، أي: الادعاء بأنه أشعري كلام يحتاج إلى دليل وبرهان، ولا يصح اعتباره كذلك وإنما يقال: وافق الأشاعرة في أشياء، فليس من وافق أهل البدعة في أشياء يقال: إنه مبتدع، وهذا أصل لا بد من معرفته، فالذي يوافق من أهل السنة والجماعة أهل البدع لا يقال عنه: مبتدع، وإنما يقال: إن الأصل فيه الاستقامة، ولكنه زل في مسألة كذا وكذا، ووافق فيها أهل البدع.
أما إذا كان من أهل البدع أصلاً فوافق أهل الحق فلا يقال بهذه الموافقة: إنه من أهل الحق، ولكن يقال: إنه من أهل الباطل، ولكنه وافق أهل الحق في مسألة كذا وكذا، هذا أصل لا بد من معرفته.
فالذي يوافق أهل الحق وهو من أهل البدع لا تخرجه موافقته لأهل الحق في هذه المسائل عن بدعيته، فكذلك أهل الحق إذا وافقوا أهل البدع لا تخرجهم هذه الموافقة لأهل البدع عن الحق الذي هم تمسكوا به من بداية الأمر، بل الحق مسلكهم وعقيدتهم.
فالإمام ا