[ذكر نهار الجنة ونورها وسرج أهل الجنة]
الجنة ليس فيها نهار وليل وبكرة وعشياً؛ لأنه ليس فيها شمس ولا قمر، ولكن الله عز وجل لما ذكر البكرة والعشي في القرآن، وكذلك ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام؛ إنما ذلك من باب تقريب الفكرة إلى الأذهان، أي: قدر ما يكون بين الإبكار والعشي في الدنيا، لكن في الحقيقة ليس في الجنة شمس ولا قمر، وبالتالي لا ظلمة فيها مطلقاً؛ لأن ذلك لازم عن خفاء الشمس.
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض) يعني: أقل من الظفر لو بدا وظهر في الجنة لظهر النور الخفاق في السماوات والأرض، قال: (ولو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدا سواره لطمس ضوءه ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم).
وعن محمد بن كعب القرظي قال: (رؤي في الجنة كهيئة البرق فقيل: ما هذا؟ قال: رجل من أهل عليين تحول من غرفة إلى غرفة).
في الحديث: (هي قناديل معلقة بالعرش تضيء لأهل الجنة، لا يطفأ نورها، ولا يقصر عنها أبصارهم من النظر)، وهو حديث ضعيف.
قلنا من قبل: إن أهل الجنة لا ينامون؛ لأن النوم أخو الموت.
ذكر بكر الجنة وعشيها: عن الضحاك قال في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:٦٢]، (ولهم رزقهم فيها): أي في الجنة {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:٦٢] يعني: على قدر ما كانوا يأكلون في الصباح وفي المساء.
قال: جعل الله تعالى لأهل الجنة ساعات تدور كما تدور أيام الدنيا في غير شمس، ولا قمر، ولا ليل ولانهار إلا نور الآخرة، وجعل فيها البكرة، والمقيل، والعشي؛ لأن البكرة والمقيل والعشي ألذ ما يكون للناس في الدنيا، فجعل الله تعالى لهم مثلها في الجنة وزيادة، فأراد الله تعالى أن يشهي أولياءه ويلذذهم بالرزق ليأتيهم غدوة وعشية.
وعن ابن عباس قال: ليس في الجنة بكرة ولا عشي، ولكن يؤتون بالنعيم على مقادير ذلك بالليل والنهار في الدنيا.
يعني: لو أن الإنسان ينتظر المساء حتى يأتي وقت الطعام، فإذا قدم له التذ به، وإنسان يقوم بعد صلاة الصبح يريد أن يفطر؛ فإذا قدم له الطعام والحليب وغير ذلك اشتهاه والتذ به، فكذلك أهل الجنة بغير قياس.
وعن قتادة في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:٦٢]، قال: لهم رزقهم فيها كل ساعة.
والساعة في لغة الشرع: هي المدة من الزمان، أي: ليست ستين دقيقة.
قال: والبكرة والعشي ساعاتان من الساعات ليس ثم ليل -يعني ليس هناك ليل- وإنما هو ضوء ونور.
وعن مجاهد في نفس الآية قال: ليس فيها بكرة ولا عشي، ولكنهم يؤتون به على ما يحبون من البكرة والعشي.