شرح حديث: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله)
قال: [وحدثنا يحيى بن يحيى -وهو أبو زكريا النسابوري - ويحيى بن أيوب وقتيبة -وهو ابن سعيد الثقفي - وعلي بن حجر]، وهؤلاء أربعة.
[قال يحيى -وهو يحيى بن يحيى النيسابوري -: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر ابن أبي كثير الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القارئ، والقارئ نسبة إلى القراءة والحرف في كتاب الله عز وجل، بخلاف القارِّي الذي هو عبد الرحمن القارِّي نسبة إلى قارة، وليس إلى القراءة.
قال: [عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر]، وعبد الله بن دينار هنا متابع لـ نافع، وليس متابعاً لـ سالم، فحديث سالم فيه ذكر عمر، وأما حديث نافع هذا وحديث عبد الله بن دينار فلا يوجد فيهما ذكر عمر، فـ عبد الله بن دينار متابع لـ نافع متابعة تامة.
والمتابعة التامة هي: أن يشترك راويان في شيخ واحد.
فهنا عبد الله بن دينار يروي عن عبد الله بن عمر، ونافع يروي كذلك عن عبد الله بن عمر، فشيخهما واحد، وهو عبد الله بن عمر.
قال: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله)].
فلو قال قائل: أنا سأحلف بأمي، أو بأختي، أو بقبر الحسين؛ لأن هذه الأشياء لست بمنهي عنها، والنهي إنما ورد عن الحلف بالآباء فنقول: قد ورد النهي عن ذلك في حديث: (لا تحلفوا إلا بالله).
وهذا يدل على أن جميع الأيمان بغير الله أيمان باطلة أو آثمة، يأثم صاحبها إذا تعمدها، ولا تنعقد يمينه، على خلاف بين أهل العلم في ذلك.
وقوله: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) هذه صيغة حصر وقصر، بما وإلا، وما وإلا عند البلاغيين من أساليب الحصر والقصر، كقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران:١٤٤]، وكقولنا: (لا إله إلا الله)، فهذا حصر للألوهية في الله عز وجل، وحصر للرسالة في محمد عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ))، فقوله هنا: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) هذا أسلوب حصر وقصر، فلا يجوز لك بحال أن تحلف إلا بالله.
[وكانت قريش تحلف بآبائها]، أي: سبب هذا الحديث أن قريشاً كانت تحلف بآبائها.
قال: [فقال: (لا تحلفوا بآبائكم)].
فعمم النهي، ثم أرشد إلى اليمين الجائز، وهو اليمين بالله عز وجل.