قال:[قال يحيى بن يعمر: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني].
ومعلوم أن القدر من أركان الإيمان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر)، والله عز وجل قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام، وله عز وجل العلم الأزلي، والعلم صفة من صفات الله عز وجل، فهو يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، ولا يخفى عليه شيء من أمر العباد ولا من أمر الخلائق جميعاً.
ومعبد الجهني قتله الحجاج صبراً، وهو القائل: إن الله تعالى لا يعلم الأمور إلا بعد وقوعها، ولم يقدر شيئاً على العباد، وإنما كل منهم يختار لنفسه، فإذا وقع الفعل من العبد علمه الله تعالى، وأما قبل ذلك فلا، وهذا معنى قوله: إن معبداً الجهني أول من قال في القدر، أي: أول من نفى إثبات القدر الذي عليه أهل السنة والجماعة، فهو الذي نفاه، وقال: إن الأمر أنف، يعني: لا يعلمه الله عز وجل إلا بعد وقوعه، تعالى الله عز وجل عن قوله علواً كبيراً، والنبي صلى الله عليه وسلم بين في غير ما حديث أن أركان الإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وهذا الحديث سيق هنا لأجل إثبات القدر.
فـ يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري البصري لما ذهبا إلى مكة ولقيا عبد الله بن عمر حدثاه بأمر معبد الجهني ومن كان معه على هذا الفكر الضال من أهل البصرة، وليس من ساقطة في الأرض إلا ولها لاقطة، ومهما تكلم العبد بكلام حتى وإن كان خزعبلات وخرافات فلابد أن يجد له أنصاراً وأتباعاً.
فلما تكلم معبد الجهني في القدر التف حوله كثير من الناس، وكان معبد الجهني يتعلم في حلقة الحسن البصري، وكان تلميذاً للحسن البصري حتى تكلم في القدر، فتكلم فيه الحسن، ثم صار له حلقة وأتباع يحملون منهجه وفكره في العقيدة.
قال يحيى بن يعمر:[فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين].
والحميري هنا نسبة إلى شخص وليس إلى حمير.
وحميد هذا يقول ابن سيرين عليه رحمة الله: حميد كان أفقه أهل البصرة.