للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرح حديث أبي قتادة: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)

[حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا هشيم بن بشير عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد الأنصاري] وهو نافع بن عباس الأ قرع المدني مولى عقيلة الغفارية قيل: هو مولى أبي قتادة، لكنه في الحقيقة ليس مولى له، وإنما قيل له: مولى؛ لأنه أصلاً مولى، لكن ليس لـ أبي قتادة وإنما لـ عقيلة الغفارية، لكن الغالب في الرواية يقولون: حدثنا أبو محمد الأنصاري مولى أبي قتادة.

قيل له: مولى أبي قتادة؛ وذلك لكثرة ملازمته لـ أبي قتادة، لكنه مولى لـ عقيلة الغفارية.

قال: [عن أبي محمد الأنصاري وكان جليساً لـ أبي قتادة قال: قال أبو قتادة.

واقتص الحديث].

[وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال.

وساق الحديث].

وفي هذين السندين نكتتان: النكتة الأولى: اجتماع ثلاثة من التابعين يحيى بن سعيد الأنصاري وعمر بن كثير وأبو محمد، يروي بعضهم عن بعض.

النكتة الثانية: ليس من عادة مسلم رحمه الله أن يذكر: وساق الحديث، واقتص الحديث، وذكر الحديث، إلا لحديث قد سبق، أما حديث سيأتي فليس من عادته، وهذا ما يسميه العلماء بالتلوين.

أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وكذا.

حدثني بهذا فلان عن فلان عن فلان عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكره.

وهذا على غير العادة، فالمألوف أن الإسناد هو الأول ويعقبه المتن، أما المتن ويعقبه الإسناد فهذا نادر جداً على غير العادة، لكنه صحيح.

فالإمام مسلم رحمه الله ذكر الإسناد، ثم ذكر إسناداً آخر لنفس الحديث الذي سيأتي بعد الإسناد الثالث، فقوله: وساق الحديث أي: وساق الحديث الذي سيأتي بعد، ولذلك اغتر بعض أهل العلم فتصوروا أن قوله: وساق الحديث -أي: المتقدم- وليس كذلك، وإنما ساق الحديث الذي سيأتي معنا.

قال: [حدثنا أبو الطاهر وحرملة -واللفظ له- أخبرنا عبد الله بن وهب قال: سمعت مالك بن أنس يقول: حدثني يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين -أي: في غزوة حنين- فلما التقينا كانت للمسلمين جولة)] أي: انهزام وضعف، ولم يقل: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جولة؛ لأن إجماع أهل العلم منعقد على حُرمة قول: انهزم النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُهزم، ولا تُكتب له الهزيمة، إنما تقع الهزيمة في بعض جيشه، لا على يده عليه الصلاة والسلام، فكان لبعض المسلمين في نواحي الجيش جولة وضعف وانهزام، وليس ذلك في جانب النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يُنسب لنبي قط خسيسة حتى وإن كانت اجتماعية، فإنه حرام وصف الأنبياء بالعمل الخسيس.

فنحن نقرأ أن في كتب السنة أن من الأنبياء من كان نجاراً كزكريا عليه السلام، ومنهم من كان حداداً كداود عليه السلام، ومنهم من كان يرعى الغنم، بل جُل الأنبياء رعوا الغنم، لكن راعي الغنم في زماننا هذا مهنة غير محترمة، والحدادة كذلك، والنجارة كذلك، فقد تعارف الناس على أن أصحاب هذه المهن لا وزن لهم ولا شأن، مع احترامنا الشديد لكل مسلم موحّد، فالنبي عليه الصلاة والسلام رعى الغنم، فيحرم على المسلم في هذا الزمان أن يقول: النبي صلى الله عليه وسلم كان راعياً للغنم -على سبيل الامتهان- فإنه لا يُنسب لنبي قط خسة وإن كانت في أصلها شرفاً، فما دام العرف قد تعارف على أن هذا العمل خسيس، فلا يُنسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يُذكر أنه كان كذلك إلا من باب سرد سيرته عليه الصلاة والسلام، أنه كان يفعل ذلك؛ ولذلك كتب السيوطي والسخاوي وغير واحد من أهل العلم يدافعون عن جناب النبوة صلى الله عليه وسلم.

قال: [(فلما التقينا كانت للمسلمين جولة.

قال: فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين)] أي: قد أوقعه وتمكّن منه، أو جلس فوق صدره ليقتله.

قال: [(فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه -أي: بين رقبته والكتف- وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت)] أي: أنه كان لا يزال على قيد الحياة، وكان صاحب قوة وفتوة فقام من على هذا المسلم لينظر من ضربه، فإذا به أبو قتادة